خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٨٦
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ
٨٧
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
-البقرة

تفسير الجيلاني

ولما ذكر سبحانه قبح معاشهم ومعادهم أراد أن ينبه على المؤمنين بأسباب مقابحهم وإعراضهم ليحذروا منها ويحترزوا عنها فقال مشيراً لهم: { أُولَـٰئِكَ } البعداء عن منهج الصدق والصواب هم { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا واختاروا { ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } الفانية غير القارة، بل اللاشيء المحض بالآخرة التي هي النعيم الدائم واللذة المستمرة والحياة الأزلية السرمدية { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: عذاب الإمكان والافتقار لذلك { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [البقرة: 86] فيما هو متمناهم من الحوائج، بل دائماً مفترضون محتاجون، مسودة الوجوه في النشأتين.
واذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين أيضاً من قبح صنائعهم ليعتبروا: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ } المبعوث إليهم { ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة المشتملة على مصالحهم الدنيوية والأخروية فكذبوه، ولم يلتفتوا إلى كتابه { وَ } بعدما قضى وانقرض موسى { قَفَّيْنَا } أي: عقبناه { مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } المرسلة إليهم، أولي الدعوات والآيات والمعجزات، فكذبوهم أيضاً ولم يلتفتوا بما جاءوا به { وَ } بعد ذلك بزمان { آتَيْنَا } أيضاً { عِيسَى } المبعوث إليهم { ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحات المبينات لأمر معاشهم ومعادهم { وَ } مع ذلك { أَيَّدْنَاهُ } أي: خصصناه وقويناه { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } بالروح المقدس عن رذائل الإمكان، فكذبوه أيضاً، فأرادوا قتله ولم يظفروا عليه، ألم تكونوا أنتم أيها الناقضون للعهود والمواثيق { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ } من الرسل من عند ربكم لإصلاح حالكم { بِمَا لاَ تَهْوَىٰ } تحب وترضى { أَنْفُسُكُمْ } اشتغلتم بما جاءوا به بل { ٱسْتَكْبَرْتُمْ } عليهم واستحقرتموهم { فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ } كموسى وعيسى عليهما السلام { وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } [البقرة: 87] كزكريا ويحيى - عليهما السلام - والقوم الذين شأنهم هذا كيف يرجى منهم الفلاح والفوز بالنجاح.
{ وَ } من غاية عداوتهم معك يا أكمل الرسل ومع من بايعك من المؤمنين أنهم { قَالُواْ } حين دعوتكم إياهم إلى الإيمان والتصديق بالإسلام: لا نفقة حديثكم ولا نفهم كلامكم؛ إذ { قُلُوبُنَا } التي هي وعاء الإيمان والإذعان { غُلْفٌ } مغلوف مغشاة بالأغطية الكثيفة لا يصل إليها دعوتكم وإخباركم قل لهم يا أكمل الرسل: لا غطاء ولا غشاوة إلا عنادكم وحديثكم وحسدكم على ظهور دين الإسلام وبغيكم عليه مع جزمكم بحقيته عقلاً ونقلاً { بَل } قل لهم نيابة عنا: { لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي: طردهم وبعدهم باسمه المنتقم { بِكُفْرِهِمْ } أي: بسبب كفرهم المذكور في جبلتهم، لكونهم مقهروين تحت اسم المضل المذل، وإذا كانوا من مقتضيات اسم المضل { فَقَلِيلاً مَّا } نزراً يسيراً منهم { يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 88] يهتدون بطريق التوحيد إيفاء لحق الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، وهم الذين ذكرهم سبحانه في قوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } [البقرة: 62] وبالجملة فلا يجرى منهم الإيمان.