خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً
١٠٢
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
١٠٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً
١٠٥
فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً
١٠٦
لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً
١٠٧
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً
١٠٨
يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً
١٠٩
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
١١٠
وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً
١١١
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
١١٢
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً
١١٣
فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً
١١٤
-طه

تفسير الجيلاني

{ كَذٰلِكَ } أي: مثلما أوحينا إلى موسى لأهداء قومه وإهلاك عدوه، وأوحينا إليكَ يا أكمل الرسل قصص السابقين؛ ليعتبر من هلاك عدوهم من عاداك، ويفرح من إهداء صديقهم مَن صدّقك وآمن بك؛ إذ { نَقُصُّ عَلَيْكَ } قصصهم مع كونك خالي الذهن { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } بمدة مديدة { وَقَدْ آتَيْنَاكَ } امتناناً لك { مِن لَّدُنَّا } بلا واسطة معلم ومرشد { ذِكْراً } [طه: 99] كلاماً جامعاً يذكرك جميع ما في الكتب السالفة من الحقائق والأحكام والقصص على الوجه الأثم الأبلغ.
{ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي: عن القرآن بعد نزوله، وتشبث بغيره من الكتب المنسوخة { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } [طه: 100] أي: إثماً ثقيلاً لأخذه بالمنسوخ وترك الناسخ.
بحيث يكون { خَالِدِينَ فِيهِ } فيها؛ أي: فيما يترتب عليه في ويم الجزاء من العذاب الأيدي { وَسَآءَ لَهُمْ } أي: لحامليهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المخففة للحمل لأرباب العناية { حِمْلاً } [طه: 101] ثقيلاً بوقعهم إلى النار.
{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } لأخراج ما بالقوة إلى الفعل { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه: 102] زرق العيون سود الوجوه، وهما كنايتان عن الحسد والنفاق اللذَين هم عليهما في دار الدنيا.
وإذا ظهر لهم قبائحهم الكامنة فيهم في الدنيا { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } أي: يتكلمون خيفة فيما بينهم هكذا، هذه القبائح التي ظهرت علينا من أوصافنا التي كنا عليها في دار الدنيا زماناً قليلاً، فبعضهم يقول للبعض: { إِن لَّبِثْتُمْ } أي: ما مكثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] من الليالي، وبعضهم يقلل من ذلك، وبعضهم يقلل منه أيضاً، وهم يخفون أحوالهم لئلا يطلع عليها أحد.
وكيف يخفون عنا؛ إذ { نَّحْنُ أَعْلَمُ } بمقتضى حضرة علمنا { بِ } جميع { مَا يَقُولُونَ } من الأقوال المتعارضة، ولا تذكر إلا ما هو أقرب للصواب { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي: أميلهم وأقربهم إلى الصواب { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 104] واستصغارهم مدة الدنيا، إنما هو من طول يوم الجزاء.
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِاً } في ذلك اليوم أهي على قرارها وقوامها حتى يؤوى إليها أملا لا؟ { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْف } [طه: 105] أي: يسحقها سحقاً كلياً كأنه خرج عن المناخل الدقيقة، { فَيَذَرُهَا } أي: يترك الأرض بعد نسف الحبال { قَاعاً } سطحاً مستوياً { صَفْصَفاً } [طه: 106] ملساء.
بحيث: { لاَّ تَرَىٰ } أيها الرائي { فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 107] نتواً وربوةً لاستوائه.
{ يَوْمَئِذٍ } أي: وقت نفخ الصور لاجتماع الناس إلى المحشر { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } الذي هو إسرافيل؛ أي: يجتمعون عنده كل واحد منهم بطريق { لاَ عِوَجَ لَهُ } لاستواء الأرض، وعدم المانع من العقباب والأغوار { وَ } في ذلك اليوم { خَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } أي: خفضت وخفيت أصواتهم وقت الدعاء { لِلرَّحْمَـٰنِ } من شدة أهوال ذلك اليوم؛ بحيث إذا أصغيت إلى سماع أقوالهم { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [طه: 108] ذِكراً خفياً.
{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } أي: شفاعة كل أحد من الناجين كل واحد من العاصين { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } بالشفاعة لبعض العصاة من أرباب العناية في ذلك اليوم { وَ } مع إذنه سبحانه له { رَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [طه: 109] أي: تعلق رضاه سبحانه الشفعي وقت الشفاعة.
وإنما أذن ورضي سبحانه بالشفاعة للبعض؛ لأنه سبحانه { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي: يحيط علمه بجميع أحوالهم من العصيان الطاعة، وبأن أي: عصيان يزول بالشفاعة، وأي: عاصٍ يستحقها { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه: 110] بدقائق معلومات وأفعاله وآثاره.
{ وَ } في ذلك اليوم { عَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } أي: هلكت وجوه الأشياء؛ أي: ظهورها وبقي الوجه الذي هو { لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } المنزه عن الظهور والبطون، المقدس عن الحركة والسكون { وَقَدْ خَابَ } وخسر خسراناً مبيناً في ذلك اليوم { مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طه: 111] شركاً بالله الواحد القهار.
{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } في الدنيا { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } موقن بوحدانية الله { فَلاَ يَخَافُ } في ذلك اليوم { ظُلْماً } بأن يحبط أعماله الصالحة بالكلية، ولم يجز بها { وَلاَ هَضْماً } [طه: 112] بأن ينقص من جزاء عمله الصالح.
{ وَكَذٰلِكَ } أي: مثل إحاطة علمنا بجميع الأشياء { أَنزَلْنَاهُ } أي: هذا الكتاب المحيط بجميع ما في العالم؛ إذ لا رطب ولا يابس إلا فيه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي: كلاماً عربيَّ الأسلوب { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } أي: كثر تصرفنا فيه من الإنذارات والتخويفات { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } رجاء أن يتوجهوا إلى توحيدنا ويجتنبوا عن شركنا { أَوْ يُحْدِثُ } ويجدد وعيد القرآن { لَهُمْ ذِكْراً } [طه: 113] من أحوال الماضين، وعقاب الله عليهم من الغرق والمسخ والكسف والخسف لعلهم يتذكرون.
وإن قالوا على سبيل المكابرة عتواً وعناداً: لربك حاجة إلى إيماننا وتقوانا، وإلا لِمَ يرجوا إيماننا؟ قل لهم يا أكمل الرسل: { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ } أي: تنزه وتقدس { ٱلْمَلِكُ } المستولي المطلق { ٱلْحَقُّ } الثابت الدائم أزلاً وأبداً عما يقول الظالمون المشركون من إثبات الاحتياج له بمجرد الرخاء العائد نفعه إياهم أيضاً.
{ وَ } إذا كان ظنهم هذا { لاَ تَعْجَلْ } يا أكمل الرسل { بِٱلْقُرْءانِ } أي: بأدائه وتبليغه لهم وقراءته عليهم { مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي: من قبل أن يفرغ جبرائيل عليه السلام من وحيه وتبليغه، بل أصبر حتى يفرغ من الوحي، ثم تأمل في مرمزاته وإشاراته الخفية بدقر استعدادك { وَ } بعد التأمل والتدبر { قُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه: 114] بما فيه من نفائس المعلومات وعجائب المعارف والحقائق.