{ وَ } بمجرد اعترافهم بظلمهم لا نأخذهم ولا نعذبهم حينئذٍ بل { نَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ } العدل المسوى المستقيم بحيث لا عوج ولا انحراف لها إلى جانبٍ أصلاً، المعدة { لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } لنوزن فيها أعمال العباد صالحها وفاسدها، ثم نجازيهم على مقتضى ما ظهر منها { فَلاَ تُظْلَمُ } وتنقص { نَفْسٌ شَيْئاً } من جزائها، ولا تزداد عليها أيضاً سواء كان خيراً أو شراً، ثواباً أو عقاباً على مقتضى عدلنا القويم وصراطنا المستقيم { وَإِن كَانَ } العمل والظلم وزنه { مِثْقَالَ حَبَّةٍ } كائنة { مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } مع أنها لا اعتداد لها، وجازينا صاحبها عليها تتميماً لعدلنا، وتوفيةً لحقوق عبادنا { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47] أي: كفى حسبانا لحقوق عبادانا أو لا يعزب عن حيطة حضرة علمنا شيء منها وإن قلَّ وحقر.
ثم قال سبحانه على سبيل التذكير والعظة: { وَلَقَدْ آتَيْنَا } من تمام فضلنا وجودنا { مُوسَىٰ وَ } أخاه { هَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ } أي: التوراة الفارق بين الحق والباطل { وَ } لكمال فرقة وفضله صار { ضِيَآءً } يستضيء به عموم المؤمنين الموحدين من المِللّيين التائهين في ظلمات الغفلات والجهالات وأنواع الضلالات { وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } [الأنبياء: 48] منهم المتذكرين الوقوفَ بين يدي الله يوم العرض الأكبر.
وهم { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } أي: بضمائرهم وسرائرهم كما يخشون منه سبحانه بظواهرهم وعَلَنِهم { وَ } مع ذلك الخوف المستوعب لجوانحهم وجوارحهم { هُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ } الموعودة إتيانها، المتحققة وقوعها وقيامها حقاً حتماً محققاً { مُشْفِقُونَ } [الأنبياء: 49] خائفون مرعوبون كأنها واقعة آتيه.
{ وَهَـٰذَا } القرآن الفرقان الجامع أيضاً { ذِكْرٌ } وتذكير لعموم الموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مبارك كثير الخير والبركة للموقنين المخلصين منهم، الواصلين إلى مرتبة الفناء في الله { مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } من كمال فضلنا ولطفنا إلى محمد خاتم الرسالة، ومتمم مكارم الأخلاق، ومكمل دائرة الرسالة والنبوة عليه من الصلاة، والتحيات ما هو الأولى والأحرى { أَفَأَنْتُمْ لَهُ } ولكتابه { مُنكِرُونَ } [الأنبياء: 50] أيها المسرفون المستكبرون؟!.