خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ
٦٩
وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ
٧٠
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
٧١
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ
٧٢
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ
٧٣
وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
٧٤
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٧٥
-الأنبياء

تفسير الجيلاني

ثم لما حفروا البئر، وبنوا الحفرة، وجمعوا الحطب، وأوقدوا النار، علقوا المنجنيق ووضعوه فيه ورموه إليها { قُلْنَا } حينئذ حافظين لخليلنا له، مخاطبين للنار: { يٰنَارُ } المجبولة المطبوعة بالحرق والحرارة { كُونِي بَرْداً } واتركي الحرق والحرارة { وَ } لا تضري لخليلنا بالبرودة أيضاً، بل صِيري { سَلَٰماً } أي: ذات سلام وسلامه { عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69] ولا تضري له.
{ وَ } بعدما علموا وأبصروا أن النار لا تضره، بل صارت له روحاً وريحاناً، أُفحموا وألزموا وكيف لا يفحمون { أَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } ومكراً لينتقموا عنه، ويبطلوا دعواه التوحيد فعاد عليهم الإلزام والإبطال، فغلبوا هنالك { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } [الأنبياء: 70] فيما قصدوا له وانقلبوا عن مجمعهم خاسرين خسراناً مبيناً وخيبة عظيمة.
{ وَ } بعدما فعلوا مع خليلنا ما فعلوا { نَجَّيْنَاهُ } من مقام جودنا ولطفنا { وَ } صاحبناه مع ابن أخيه { لُوطاً } وبعثناهما عنايةً منَّا إياهما { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } وصريناهما كثير الخير والبركة وذات الأم واليُمن والأمان والإيمان { لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 71] أي: لجميع من ينزل ويؤول إليها من أهل الدين والدنيا، وهي الشام التي هي منازل الأنبياء والأولياءن ومقر السعداء والصلحاء، ومهبط الوحي الإلهي، لذلك ما بعث نبي إلا فيها وفي حواليها.
قيل: نزل إبراهيم عليه السلام بعدما جلا من وطنه بـ"فلسطين" من الشام، ولوط بـ"السدوم" وبينهما مسيرة يوم وليلة.
{ وَ } بعدما مكناه في الأرض المقدسة { وَهَبْنَا لَهُ } من رحمتنا تفريجاً لقلبه من كربة الغربة، وتشريحاً لصدره، وتقريراً لعينيه: وَلَدَيَه { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } يزول حزنه بهما، وهبنا له إسحاق إجابة لدعائه بقوله:
{ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الصافات: 100] وإنما أعطيناه يعقوب { نَافِلَةً } منَّا إياه، وزيادة فضل وعطية تكريماً له وامتناناً عليه { وَكُلاًّ } من ولديه { جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [الأنبياء: 72] للنبوة والرسالة وقبول سرائر التوحيد وأسرار الألوهية والربوبية في قلوبهم.
{ وَ } لصلاحيتهم واستعدادهم لقبول الخيرات { جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً } وقدوة هادين مهديين { يَهْدُونَ } الناس { بِأَمْرِنَا } ووحينا إلى زلال توحيدنا { وَ } بعدما جعلناهم قدوة هادين { أَوْحَيْنَآ } وألهمنا تتميماً لأهدائهم وإرشادهم { إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ } والإتيان بالأعمال الصالحات، وعموم الطاعات والمبرات، لتكون لهم وسيلة مقربة لهم إلى توحيدنا { وَ } أوحينا خاصة { إِقَامَ ٱلصَّلاَة } المتضمنة لتوجههم نحو الحق بجميع القوى والحركات والأركان والجوارح { وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } المصفية لقلوبهم عما سوى الحق { وَ } هم بمقتضى أمرنا ووحينا إياهم { كَانُواْ لَنَا } خاصة بلا رؤيتهم الوسائل، والأسباب العادية في البين { عَابِدِينَ } [الأنبياء: 73] متذللين متواضعين مخلصين بظواهرهم وبواطنهم وجميع أعمالهم وحركاتهم.
{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ } من مقام فضلنا وجودنا { حُكْماً } وقطعاً للخصومات، وفصلاً للخطوب والمهمات { وَعِلْماً } بسرائر الأمور ورموزها وإشاراتها الدالة على وحدة الصانع الحكيم، وسرّ سريان هويتها الذاتية على صفائح ما ظهر وما بطن { وَ } من كمال لطفنا معه { نَجَّيْنَاهُ مِنَ } فتنة { ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت } أهلها { تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ } أي: الفعلة الشنيعة والديدنة الخسيسة الخبيثة المذموممة المسقطة للمروءة عقلاً وبالجملة { إِنَّهُمْ } من غاية قسوتهم وغفلتهم { كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [الأنبياء: 74] مغمورين بين أنواع الفسق، منغمسين في أصناف المعاصي والآثام.
{ وَ } بعدما انتقمنا عنهم وأهلكناهم بأشد العذاب { أَدْخَلْنَاهُ } ومن معه ممن سبقت لهم منَّا الحسنى { فِي رَحْمَتِنَآ } وكنف حفظنا وجوارنا { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [لأنبياء: 75] لعبادتنا المقبولين في حضرتنا.