خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٤٤
فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ
٤٥
أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ
٤٦
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ
٤٧
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
٤٨
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٤٩
فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٥٠
-الحج

تفسير الجيلاني

{ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } أخاك شعيباً عليه السلام { وَ } لا سيما { كُذِّبَ مُوسَىٰ } يعني: كذّب بنو إسرائيل أخاك موسى الكليم عليه السلام مراراً متعددة، مع أن آياته ومعجزاته من أظهر الآيات وأبهر المعجزات { فَأمْلَيْتُ } وأملهت { لِلْكَافِرِينَ } المكذبين المعاندين المستكبرين { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } بأنواع العذاب والنكال إلى أن أهلكتُهم وأستأصلتُهم { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [الحج: 44] إياهم وإنكاري عليهم بعد إمهالي بأن النعمة عليهم نقمة، والمنحةَ محنة، واللذة ألماً، والفرح ترحاً، والقصور قبوراً.
ولا تتعجب يا أكمل الرسل من كمال قدرتنا وبسطتنا أمثال هذا { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي: أهكلنا كثيراً من أهل قرية بأنواع العذاب والعقاب { وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ } أي: أهلها خارجة عن مقتضى حدود الله فهي الآن من ظلم أهلها { خَاوِيَةٌ } ساقطةُ { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي: ساقطة جدرانها على سقوفها من غاية انهدامها وانتكاسبها { وَ } كم { بِئْرٍ } معينة { مُّعَطَّلَةٍ } لا يستقى منها لهلاك أهلها { وَ } كم { قَصْرٍ } عالٍ { مَّشِيدٍ } [الحج: 45] محكم أركانه وبنيانه، مجصص أساسه وجدرانه، خالٍ عن ساكنيها، غير مسكون فيها.
{ أَ } ينكرون هذه المذكورات { فَلَمْ يَسِيرُواْ } ويسافروا { فِي ٱلأَرْضِ } المعدة للعبرة والاستبصار { فَتَكُونَ } وتحصل { لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ } ويعتبرون { بِهَآ } من الوقائع الواقعة فيها للأم الهاكة { أَوْ } تحصل لهم { آذَانٌ } وقوة استماع { يَسْمَعُونَ بِهَا } أخبارهم وآثارهم، وكيفية إهلاكهم واستئصالهم { فَإِنَّهَا } أي: شأن قصصهم ووقائعهم أنها { لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } منها؛ لأن الأبصار تشاهد آثارهم وأطلالهم { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46] إذ لم يعتبروا منها ولم يستبصروا ولم ينظروا إليها نظر المعتبر المتأمل والمستبصر الخبير، والجملة من لم يعتبر بما جرى على الأمم الهالكة من الوقائع الهائلة، فهم عميٌ قلوبهم وإن كانت أعينهم صحيحة.
وبعدما استبطأ الكفار نزول العذاب الموعود وقالوا:
{ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } [يونس: 48] نزل: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } يا أكمل الرسل { بِٱلْعَذَابِ } الموعود على لسانك { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ } الصادق في { وَعْدَهُ } الذي وعده وإن كان بعد حين، سينزل ألبتة { وَإِنَّ يَوْماً } من أيام العذاب { عِندَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل { كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج: 47] في الدنيا في الشدة والعناء، فلا تستعجلوه يا هؤلاء الحمقى؟.
{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } أي: من أهلها { أَمْلَيْتُ } وأمهلت { لَهَا } وأخَّرت عنها عذابها { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أهلها مستحقة للعذاب أمثالكم { ثُمَّ أَخَذْتُهَا } بالعذاب الشديد بعدما كمل وازداد أهلها موجباته { وَ } لا مخلص لهم منه؛ إذ { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [الحج: 48] أي: مرجع الكل إليّ ومنقبلهم عندي، ولا مقصد لهم غيري، وإن لم يعرفوا.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل كلاماً خالياً عن وصمة الكذب صادراً عن محض الحكمة: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } المجبولون على الغفلة والنسيان { إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ } مرسلٌ من عند الله { مُّبِينٌ } [الحج: 49] مظهرٌ لكم موانعكم وعوائقكم عن طريق الحق وطريق مستقيم.
{ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } منكم بالله وصدّقوا رسله وكتبه { وَ } مع الإيمان والتصديق { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة لهم على ألسنة رسلهم وكتبهم المقبولة المرضية عند ربهم { لَهُمْ } بواسطة إيمانهم وعملهم { مَّغْفِرَةٌ } ستر وعفو لما مضى من الذنوب، وجرى عليه من المعاصي { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الحج: 50] من الصوري والمعنوي في الجنة جزاءً لإيمانهم وصالح أعمالهم.