خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٧٢
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٧٣
وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ
٧٤
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٥
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
٧٦
حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
٧٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٧٨
وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٧٩
وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٨٠
-المؤمنون

تفسير الجيلاني

{ أَمْ تَسْأَلُهُمْ } أي: أيظنون ويعتقدون أنك يا أكمل الرسل تطلب لأداء الرسالة وتبليغها علهيم { خَرْجاً } جُعْلاً وإجراءُ لذلك انصرفوا عنك وعن دينك وكتابك؟! { فَخَرَاجُ رَبِّكَ } الذي ربَّاك بأنواع النعم الصوري والمعنوي، وأجره لك بأعظم المثوبات وأعلى الدرجات { خَيْرٌ } لك من جُعْلهم { وَ } إن نسبوك إلى الفقر والفاقة قل { هُوَ } سبحانه { خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [المؤمنون: 72] لو فُرضَ رازق سواه، مع أنه لا رازقُ إلا هو.
{ وَ } بالجملة: هم منحرفون في أنفسهم عن جادة التوحيد؛ بحيث لا يفيدهم هدايتكم وإرشادك { إِنَّكَ } بوحي الله إياك { لَتَدْعُوهُمْ } وتهديهم.
{ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [المؤمنون: 73] سويٍّ لا عوجَ له أصلاً، وهو طريق التوحيد الذاتي.
{ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ولا يصدقون { بِٱلآخِرَةِ } التي فيها انتقاد الأعمال والأحوال وال عرض على ذي العظمة والجلال { عَنِ ٱلصِّرَاطِ } الذي هو سبب اعتدالهم وإخلاصهم فيها { لَنَاكِبُونَ } [المؤمنون: 74] عادلون مائلون، لذلك لم يقبلوا منكما جئتَ به عند ربك؛ إذ خوف الآخرة من أقوى قوائم الإيمان.
{ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ } على مقتضى سعة رحمتنا وجودنا { وَكَشَفْنَا } وأنزلنا { مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ } مفرطٍ مزعج مثل القحط والوباء والزلزلةَ والعناد، وغير ذلك من الشدائد العاجلة { لَّلَجُّواْ } وأصروا { فِي طُغْيَانِهِمْ } التي هم عليها من الكفر ولا شرك والعداوة مع أهل الإيمان { يَعْمَهُونَ } [المؤمنون: 75] يترددون ولا يتركون.
{ وَ } كيف لا يعمهون وقد جربناهم مراراً، فإنا { لَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } أي: الجدب والقحط أو بالقتل يوم بدر { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ } وما تلذذوا وتواضعا { لِرَبِّهِمْ } من كما عتوهم وعنادهم { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 76] إليه استكباراً بل هم على إصرارهم دائماً كلما أخذناهم وكشفنا عنهم، أصروا وازدادوا على استكبارهم وإصرارهم، ولم يرجعوا إلينا مخصلين.
{ حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً } من البلاء والعناء { ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } وهو القحط المفرط؛ إذ هو من أصعب العقوبات وأسوئها { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [المؤمنون: 77] متحسرون آيسون من كل خيرٍ، ومع ذلك لم يتوجهوا إلينا ولم يتضرعوا.
{ وَ } كيف لا تشكرون نعمه سبحانه مع أنه { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ } وأظهر { لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } من المشاعر التي تتحفظون بها نفوسكم من الأعاي الخارجة عنكم { وَٱلأَفْئِدَةَ } أي: القلوب التي تتحفظون بها نفسوكم عن الأعادي الداخلة من التخيلات الباطلة والتوهمات الزائفة والزائلة المخزرفة المموهة من الرياء والرعونات وأنواع التلبيسات والتدليسات مع أنكم { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [المؤمنون: 78] أي: ما تشركون لهذه النعم الجليلة إلا قليلاً منكم.
{ وَ } كيف لا تشكرون نعمه سبحانه مع أنه { هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ } أي: أوجدكم وأظهركم من كتم العدم في النشأة الأولى، وبث نسلكم ونسبكم { فِي ٱلأَرْضِ } تترفهون فيها وتتنعمون ورَزَقكم فيها من أنواع الطيبات { وَ } في النشأة الأخرى { إِلَيْهِ } لا إليى غيره؛ إذ لا وجود للغير { تُحْشَرُونَ } [المؤمنون: 79] وترجعون رجوع الأمواج إلى البحر.
{ وَ } كيف لاتحشرون إليه سبحانه { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي } ويظهر أشباحكم من العدم بامتداد أظلال أسمائه وصفاته ويبسطها على مرايا انعدام الإعدام { وَيُمِيتُ } بانقهارها وقبض الأضلال عنها { وَ } من جملة قبضه وبسطه: إن { لَهُ } سبحانه ويمقتضى مشيئته وإرادته { ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } طولاً وقصراً، ضوءاً وظلمةً { أَفَلاَ } تتفكرون وتتأملون أيها المجبولون على التفكر والتدبر حتى { تَعْقِلُونَ } [المؤمنون: 80] وتدركون كيفيفة ظهور الحق وإظهاره مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا.