خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ
٦٤
-النور

تفسير الجيلاني

ومن جملة الآداب التي وجبت عليكم رعايتها ومحافظتها بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ } ونداءه { بَيْنَكُمْ } بين أظهركم { كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } بالاسم واللقب فقط لا ضميمةٍ تدل على تعظيمه وتوقيره، بل قولوا له وقت ندائه: يا نبي الله؛ أو: يا خير خلق الله، أو: يا أكرم الخلق على الله، وأمثالها.
أو لا تجعلوا دعاءه ومناجاته مع الله، ورفع حاجاته صلى الله عليه وسلم إليه سبحانه في الإجابة والقبول كدعاء بعضكم بعضاً، فإن قبل مرة ردَّ أخرى بل ردَّ مراراً كثيرة، فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم لا يرد عند الله أصلاً، أولاً تقيسوا نداءه إليكم في الوقائع والأمور كدعاء بعضكم بعضاً، فإن تجيبوا مرة وتردوا أخرى، بل عليكم أن تبادروا الإجابة ندائه صلى الله عليه وسلم سمعاً وطاعةً بلا مطلٍ وتسويفٍ، وخافضين أصواتكم حين إجابته مسرعين إليها بالآلات والجوارح، ساعين إلى إنجاح سؤله ومطلوبه صلى الله عليه وسلم.
ثم أشار سبحانه إلى توبيخ المنافقين وتقريعهم حيث قال: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ } المطلع على سرائر عباده بمقتضى علمه الحضوري كيدَ المنافقين { ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ } أي: يخرجون قليلاً قليلاً من جمعكم أيها المؤمنون { لِوَاذاً } أي: حال كونهم ملاوذين ملتجئين بغيرهم بأن يستر بعضهم خلف بعض، وحتى يخرج بلا إذنٍ ورخصةٍ منه صلى الله عليه وسلم { فَلْيَحْذَرِ } أولئك الماكرون المخادعون { ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ } وينصرفون { عَنْ أَمْرِهِ } سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بلا رخصةٍ { أَن تُصِيبَهُمْ } في الدنيا { فِتْنَةٌ } أي: مصيبةُ ومحنةُ عظيمةُ مثل القتل والنهب الأسر وأنواع البليات { أَوْ يُصِيبَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63] لا عذاب أشدَّ منه.
وكيف تعرضون، وتنصرفون عن أمر الله وأمر رسوله أيها المسرفون المفرطون، أما تستحيون من الله الرقيب عليكم، { أَلاۤ } أي: تنبهوا أيها الجاهلون الغافلون بقدْر الله، وحق ألهويته واستقلاله وبسطته { إِنَّ للَّهِ } المظهرِ الموجِدِ تصرفاً وملكاً مظاهرَ { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: العلويات والسلفيات، وما بينهما { قَدْ يَعْلَمُ } سبحانه بعلمه الحضوري { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } في نشأتكم هذه.
{ وَ } يعلم أيضاً ما ستكونون عليه { يَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ } في النشأة الأخرى المعدَّة للعرض والجزاء؛ إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء مما جرى في عالم الغيب الشهادة والنشأة الأولى والأخرى { فَيُنَبِّئُهُمْ } ويخبرهم حينئذ { بِمَا عَمِلُواْ } في النشأة الأولى على التفصيل بلا شذوذِ شيء منها، ثم يجازيهم عليها { وَٱللَّهُ } المجازي لعمود عباده في يوم الجزاء { بِكُلِّ شَيْءٍ } صدر عنهم في أولاهم وأخراهم { عَلِيمُ } [النور: 64] محيطُ بجميع أعمالهم وأفعالهم وشئونهم وحالاتهم، وجميع ما جرى عليهم، يجازيهم على مقتضى علمه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
اصنع بنا يا مولانا ما أنت أهله يا ذا الفضل العظيم والجود العميم.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المستضيءُ، المقتبسُ من المشكاة الجامعة المصطفوية والمصباح اللامع النبوي. أرشدك الله إلى غاية ما أملك، ووفقك إلى كمال ما جبلك الحق لأجله. أن تحسن الأدب مع نبيك الهادي إلى طريق التوحيد الذاتي، وتحافظَ على ملازمة ما أوجبك الحق من حقوقه وآدابه صلى الله عليه وسلم.
فلك أن تجعل رتبته صلى الله عليه وسلم نصبَ عينيك، ولا تترك شيئاً من سنته المأثورة، وأخلاقه المشهورة، وشيمه المعروفة بين أهل الحق وأرباب المحبة من المنكشفين بعلو مرتبته صلى الله عليه وسلم ورفعة قدره ومكانته، ولا تهمل شيئاً من الحدود والأحكام الموضوعة في دينه وشريعته، ولك أن تختار لنفسك من عزائم شرعه ودينه مهما أمكنك، ولا تميلَ إلى رخصتها؛ إذ الرخصة لعوام أهل الإيمان والعزائم لخواصهم، فلك الإخلاص في العمل، وعليك الاجتناب عن الرياء والسمعة وجميع الرعونات الواقعة في صدور الأعمال، سواءً كان عملك قليلاً أو كثيراً عزائمَ أو رخصاً.
وإياك إياك الحذر عن مداخل الرياء والتلبيس، فإنها من شباك إبليس، يضل بها ضعفاء الأنام عن نهج الرشاد وسبيل الاستقامة والسداد.
عَصمنا الله من تغيرات الشياطين، وتسويلاتهم بفضله وجوده.