خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٤
وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
١٥
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
١٦
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ
١٧
-القصص

تفسير الجيلاني

{ وَلَمَّا } ربته أمه، وأحسنت تربيته بمعاونة عدوه إلى أن { بَلَغَ أَشُدَّهُ } كمال قوته في نشوئه ونمائه { وَٱسْتَوَىٰ } أي: كمل وتم عقله ورشده إلى أن صلح لحمل أعباء الرسالة { آتَيْنَاهُ } من كمال جودنا إيفاءً لما وعدنا له في سابق علمنا، وكتبنا لأجله في لوح قضائنا { حُكْماً } نبوة ورسالة؛ ليضبط به ظواهر الأحكام بين الأنام { وَعِلْماً } لدنياً متعلقاً بمعرفة ذات الحق المتصف بجلائل الأوصاف والأسماء، وبمعرفة توحيده وتنزهه عن سمة الكثرة مطلقاً { وَكَذَلِكَ } أي: مثل ما جزينا موسى { نَجْزِي } عموم { ٱلْمُحْسِنِينَ } [القصص: 14] من خلَّص عبادنا البالغين رتبة الإحسان؛ لأنهم يعبدون الله كأنهم يرونه؛ إنما أتى بلفظ الماضي مع أنه إنما أُرسل بعدما هاجر من بينهم إلى مدين تلميذ شعيب عليه السلام تنبيهاً على تحقق وقوعه.
{ وَ } بعدما بلغ أشده { دَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي: مصر { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } لأنهم لا يترقبونه في ذلك الوقت، قيل: هو وقت القيلولة، وقيل: وقت العشاء { فَوَجَدَ } بعدما دخل { فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } قتالاً شديداً { هَـٰذَا } أي: أحد المقاتلين { مِن شِيعَتِهِ } أي: بني إسرائيل { وَهَـٰذَا } أي: الآخر { مِنْ عَدُوِّهِ } وبعدما وصل موسى إليهما { فَٱسْتَغَاثَهُ } أي: طلب منه الغوب والإغاثة، الرجلُ { ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ } هو { عَلَى } الرجل { ٱلَّذِي } هو { مِنْ عَدُوِّهِ } لأن العدو غالب عليه، وبعدما وجد موسى صديقه مظلوماً مغلوباً.
{ فَوَكَزَهُ } أي: العدو { مُوسَىٰ } أي: ضم أصابعه ومجتمعة مقبوضة فضرب بها العدو مرة { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: هلك: وانفصل روحه بوكزة واحدة فخجل من فعله هذا، واسترجع إلى الله مستحيياً منه سبحانه، حيث { قَالَ هَـٰذَا } أي: ما جئت به من الفعلة الشنيعة { مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } إذ هو يغريني عليه { إِنَّهُ } أي: الشيطان المغري المغوي { عَدُوٌّ } لأهل الحق وأرباب اليقين { مُّضِلٌّ } لهم يضلهم عن الطريق المستبين { مُّبِينٌ } [القصص: 15] ظاهر العداوة والضلالة بالنسبة إلى أرباب الرشد والكمال.
{ قَالَ } موسى متضرعاً نحو الحق، آيباً إليه، تائباً عما صدر عنه، مناجياً له عن محض الندم: { رَبِّ } يا من رباني بأنواع اللطف والكرم بين يدي عدوي، وخلصني من البلية العاممة يمقتضى جودك { إِنِّي } بالإقدام على هذا الأمر الشنيع { ظَلَمْتُ نَفْسِي } وعرضتها لعذابك بالخروج عن مقتضى حدودك بقتل هذا الشخص بلا رخصة شرعية { فَٱغْفِرْ لِي } يا ربّ زلتي بعدما تبت إليك، ورجعت عن ذنبي نادماً، والتجأت إلى بابك راجياً { فَغَفَرَ لَهُ } ربه زلته بعدما رجع إليه مخلصاً { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } لذنوب عباده بعدما رجعوا نحوه متذللاً خائباً خاسراً { ٱلرَّحِيمُ } [القصص: 16] لهم يقبل توبتهم بعدما أخلصوا فيها، وبعدما تاب ورجع عمَّا عمل خطأً.
{ قَالَ } مقسماً: { رَبِّ } يا من رباني بأنواع الكرامات أقسمت { بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } من النعم العظام { فَلَنْ أَكُونَ } بعد اليوم { ظَهِيراً } مغيثاً ومعيناً { لِّلْمُجْرِمِينَ } [القصص: 17] الذين أدت إغاثتهم إلى جرم كبير وذنب عظيم.