خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٢٧
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
٢٨
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٢٩
قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ
٣٠
-العنكبوت

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعدما خرج عليه السلام من سواد الكوفة مع لوط وزوجته وصل إلى حران، ثم منها إلى الشام، فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم، ثم لما استقر وتمن على فلسطين { وَهَبْنَا لَهُ } من كمال لطفنا معه وفضلنا إياه ابنه { إِسْحَاقَ } نافلة { وَيَعْقُوبَ } ليزول بهما كربة الغربة ووحشة الجلاء، مع أن هبة ولده إياه من محض الجود الإلهي على سبيل خرق العادة؛ إذ هو كبير السن وامرأته عاقر { وَ } أيضاً من كمال لطفنا معه { جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ } مستمرةً إلى الجزاء { وَٱلْكِتَابَ } أي: آتينا الكتاب لبعضٍ منهم؛ يعني: رسلهم، وإنما فعلنا معه كذلك؛ لئلا تنقطع سلسلة كرامتنا عنه، بل تستمر إلى انقراض العالم { وَ } بالجملة: بعدما هاجر إلينا الخليل بالكلية، وانخلع عن لوازم ناسوته بالمرة { آتَيْنَاهُ أَجْرَهُ } أي: أجر هجرته { فِي ٱلدُّنْيَا } على وجه لا ينقطع صيته عن الآفاق أبداً { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [العنكبوت: 27] لقبولنا، المقبولين في ساحة عز حضورنا.
{ وَ } أرسلنا أيضاً { لُوطاً } إلى قوم انحرفوا عن جادة الاستقامة، وضلوا عن سواء السبيل، اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ } لوط { لِقَوْمِهِ } بوحي الله إياه وإلهامه: { إِنَّكُمْ } أيها المفسدون المسرفون { لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } أي الفعلة التي { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } بغاية قبحها وهجنتها ونهاية شنعتها { مِنْ أَحَدٍ } أي: أحد { مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 28] من بني نوعكم، بل أنتم ابتدعتموها واخترعتموها من خباثة نفوسكم وشؤم شهوتكم.
ثم وبخهم وقرعهم بهُجنة أفعالهم وأعمالهم فقال: { أَئِنَّكُمْ } أيها المفرطون في متابعة القوة الشهوية { لَتَأْتُونَ } وتطئون { ٱلرِّجَالَ } من أدبارهم وهم أمثالكم { وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } أي: سبيل التناسل والتوالد، وتبطلون الحكمة البالغة الإلهية المتعلقة بإبقاء النوع { وَ } مع ذلك { تَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ } أي: مجالسكم ومحافلكم { ٱلْمُنْكَرَ } أي: الفعلة الذميمة، أي: تأتون بها على رءوس الملأ بلا مبالاة واستحياء وإخفاء، بل يتباهون بإظهارها، مع أن إعلان المنكرات من أعظم الجرائم وأقبح الفواحش عند الله وعند المؤمنين، سيما هذا المنكر المستبدع المستقذر { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } بعدما سمعوا منه التشنيع والتقبيح على أبلغ وجه وآكده { إِلاَّ أَن قَالُواْ } متهكمين له، مصرين على ما هم عليه من الفعلة الذميمة الشنيعة: { ٱئْتِنَا } يا لوط { بِعَذَابِ ٱللَّهِ } الذي ادعيت نزوله علينا بسبب فعلنا هذا { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [العنكبوت: 29] في دعوك، فنحن لم نمتنع بهذياناتك عن فعلتنا هذا قط، ولم نقبل منك نصيحتك أصلاً.
وبعدما أيس من صلاحهم وإصالحهم { قَالَ } مشتكياً، ملتجئاً نحوه، مستنصراً منه: { رَبِّ } يا من رباني على صفة الصلاح والنظافة { ٱنصُرْنِي } بحولك وقوتك بإنزال العذاب { عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } [العنكبوت: 30] المسرفين المفرطين في الإفساد، الخارجين على مقتضى حدودك.