خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٩
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٣٠
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣١
قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ
٣٢
-آل عمران

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل تذكيراً وعظة وتنبيهاً على ما في فطرتهم الجبلية: { إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ } من محبة أقاربكم { أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } المحيط بظواهركم وبواطنكم { وَيَعْلَمُ } أيضاً بعلمه الحضوري جميع { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الكائنات والفاسدات أزلاً وأبداً { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } منها لا يغيب عن علمه مما لمع عليه نور وجوده { وَٱللَّهُ } المتجلي لذاته بذاته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من مظاهر تجلياته { قَدِيرٌ } [آل عمران: 29] بلا فتور وقصورن، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يجازيهم على مقتضى علمه وقدرته في النشأة الأخرى.
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } خيرة { مَّا عَمِلَتْ } في النشأة الأولى { مِنْ خَيْرٍ } إحسان وإنعام وعمل صالح ويقين وعرفان { مُّحْضَراً } بين يديه يستحضره ويود استعجاله { وَ } كذا تجد كل نفس شديدة { مَا عَمِلَتْ } فيها { مِن سُوۤءٍ } غير صالح وكفر ونفاق وشرك وشقاق محضراً بين يديه، مشاهداً بين عينيه تستأخره وتتمنى بعده { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } وزماناً متطاولاً، بل يتمنى ألاَّ تلقاه أصلاً { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ } بهذا التذكير والتنبيه { نَفْسَهُ } وقدرته على الانتقام وزيادة قهره وغضبه على من استكبر عن أوامره ونواهيه { وَٱللَّهُ } القادر المقتدر على انتقام العصاة { رَؤُوفٌ } عطوف مشفق { بِٱلْعِبَادِ } [آل عمران: 30] الذين يترصدون إلى الله بين طرفي الخوف والرجاء، معرضين عن جانبي القنوط والطمع.
{ قُلْ } أيها المخلوق على صورتنا، المجبول على مقتضيات جميع أوصافنا وأسمائنا، المتخلق بجميع أخلاقنا، لمن أراد إرشادهم وتبلغهم من البرايا { إِن كُنتُمْ } أيها الأضلال المنهمكون في بحر الغفلة والضلال { تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } أي: تدعون محبة الله المظهر لكم من العدم، وتطلبون التوجه إلى جنابه والترب نحو بابه { فَٱتَّبِعُونِي } بأمره وحكمه { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } أي: يقربكم إلى جنابه، ويوصلكم إلى ضرف لقائه { وَيَغْفِرْ } يستر، ويضمحل { لَكُمْ } عن أبصاركم وبصائركم { ذُنُوبَكُمْ } التي حجبتم بها عن مشاهدة جمال الله وجلاله، ومعاينة أسمائه وصفاته { وَٱللَّهُ } الهادي لكم إلى صراط توحيده { غَفُورٌ } لكم يرفع موانع وصولكم { رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31] لكم يوصلكم إلى مطلوبكم.
{ قُلْ } لهم أيضاً أجل أعمالكم وأفضالها إطاعة أمر الله وإتباع رسوله المرسل إليكم { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } في امتثال جميع أوامره وأحكامه، واجتناب جميع نواهيه ومحظوراته مما فاز به المؤمنون { وَ } أطيعوا { ٱلرَّسُولَ } المبلغ لكم كتاب الله، المبين لكم المراد منه، فإن أطاعوا فازوا مما فاز به المؤمنون { فإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن إطاة الله ورسوله، فقد كفروا فلهم ما سيجري عليهم من عذاب الله وغضبه في النشأة الأخرى { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الهادي لعباده { لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 32] منهم لا يقربهم ولا يرضى عنهم، بل يعذبهم ويبعد9م عن عز حضورهم.