خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٣٢
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً
٣٣
وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً
٣٤
-الأحزاب

تفسير الجيلاني

ثمَّ ناداهن سبحانه تعظيماً لهن، وتنبيهاً عليهن فقال: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } الأفضل الأكمل من بين الأنبياء والرسل، كما أن صلى الله عليه وسلم ليس في الكرمة والنجابة كآحاد الناس، بل ليس كآحاد الأنبياء والرسل، كذلك { لَسْتُنَّ } أيضاً؛ لنسبتكنَّ إليه صلى الله عليه وسلم { كَأَحَدٍ } أ ي: كواحدة { مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } لأن فضيلته صلى الله عليه وسلم تسري إليكن، فعليكن ألاَّ تغفلن عنها، ولا تذهلن عن مقتضاها ورعاية حقوقها، بل من شأنكن التحصن والتقوى، والتحرز من ملهيات الهوى مطلقاً، فلكن { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } يعني: إن أردتن أن تتصفن بالتقوى عن محارم الله { فَلاَ تَخْضَعْنَ } أي: لا تُلن وتلطفن { بِٱلْقَوْلِ } وقت احتياجكن إلى التكلم مع آحاد الرجال من الأجانب، ولا تجبن عن سؤالهم هينات لينات مريبات، مثل تكلم النساء المريدات لأنواع الفسادات مع المفسدين من الرجال { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } وميل إلى الفجور إليكن بعدما سمع منكن تليينكن في قولكن { وَ } بالجملة: { قُلْنَ } بعدما تحتجن إلى التكلم معهم ضرورة { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [الأحزاب: 32] مستحسناً عقلاً وشرعاً، بعيداً عن الريبة المثيرة للطمع، خالياً عن وصمة الملاينة المحركة للشهوات.
{ وَقَرْنَ } أي: اسكن { فِي بُيُوتِكُنَّ } يعني: يا نساء النبي من شأنكن التقرر والتخلي في البيوت بلا تبرز إلى الملأ بلا ضرورة رعايةً لمرتبتكن التي هي أعلى مرتبة عموم النساء { وَ } إناحتجتن إلى التبرز والخروج أحياناً { لاَ تَبَرَّجْنَ } ولا تبخترن في مشيتكن مظهرات زينتكن، مهيجات لشهوات الناظرين { تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي: كتبختر النساء المثيرات لشهوات الرجال في الجاهلية القديمة التي هي جاهلية الكفر، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام.
خصَّ سبحانه الأولى بالذكر، وإن كانت كلتاهما مذمومتان محظورتان شرعاً؛ لأنها أفحش وأقبح وأظهر فساداً؛ لأن النساء فيها يتزينَّ بأنواع الزينة، ويظهرن على الرجال بلا تستر واستحياء، بل بملاينة تامة وملاطفة كاملة على سبيل الغنج والدلال، وأنوع الحركات المطمعة للرجال { وَ } من حقكن يا نساء النبي الاجتناب عن مطلق المنكرات، والاشتغال بالطاعات والأعمال الصالحات، سيما المواظبة على الصلوات النوافل والمفروضات { أَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ } المقربة لكُنَّ إلى الله على الوجه الذي علمتن من النبي صلى الله عليه وسلم { وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } المطهرة لنفوسكن عن الشح، وأنواع المرض المتولدة من حب الدنيا وأمانيها إن بلغ أموالكن النصاب المقدر في الشرع.
{ وَ } بالجملة: { أَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إطاعة مقارنة بكمال الخشوع والخضوع، والتذلل التام بالعزيمة الصحيحة الخالصة، الخالية عن شوب الرياء والرعونات مطلقاً في جميع ما أُمرتن بها، ونهيتن عنها { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده الخلَّص بإتيان هذه المواعيظ والتذكيرات البليغة، والتنبيهات العجيبة البديعة { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ } أي: يزيل القذر المستقبح المستهجن عقلاً وشرعاً بالمرة يا { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } المجبولين على الكرامة والنجابة { وَيُطَهِّرَكُمْ } عن أدناس الطبيعة، وأكدار الهيولي المانعة عن الصفاء الجبلي الذاتي { تَطْهِيـراً } [الأحزاب: 33] بليغاً، بحيث لا تبقى فيكم شائبة شين، ووصمة عيب أصلاً، ذكر الضمير؛ لأن النبي وعلياً وابنيه صلى الله عليه وسلم فيهم فغلب هؤلاء الذكور له على فاطمة وأزواج النبي، رضوان الله عليهم.
{ وَ } بعدما سمعتن يا نساء النبي ما يليق وينبغي بشأنكن { ٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ } لإصلاح أحوالكن وتكميلكن في الدين { فِي بُيُوتِكُـنَّ } غير مخرجات لطلبه؛ إذ بيوتكن مهبط الوحي الإلهي، ومحل نزول الآيات المنزلة، فلكُنذَ أن تلازمن خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وتشاهدن عليه من برحاء الوحي الموجب لقوة الإيمان وكمال اليقين والعرفان، فليس لكُنَّ أن تخرجن من بيوتكن، وتتعبن أنفسكن في طلب ما يُتلى { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على توحيد ذاته، وكمال أسمائه وصفاته { وَٱلْحِكْـمَةِ } المتقنة الدالة على متانة فعله ووثاقة تبديره { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع للسرائر والخفايا { كَانَ لَطِيفاً } يعلم دقائق ما في ضمائر عباده ورقائقه { خَبِيراً } [الأحزاب: 34] ذو خبرة كاملة على سوانح صدورهمه، وخواطر قلوبهم، فعليهم أن يخلصوا الله في جميع ما أتوا به، واجتنبوا من الأوامر والنواهي وانقادوا له، ويسلموا إليه مفوضين أمورهم كلها.