خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٤
قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٢٥
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ
٢٦
قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ
٢٧
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٨
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٩
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ
٣٠
-سبأ

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } لهم أيضاً على سبيل التبكيت والإلزام، مقرعاً إياهم: { مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: عالم الأسباب { وَٱلأَرْضِ } أي: عالم المسببات، فيبهتون عن سؤالك { قُلِ } يا أكمل الرسل بعدما بهتوا: { ٱللَّهُ } إذ هو متعين للجواب وإن سكتوا عنه وتلعثموا مخافة الإلزام، أضمروا في قلوبهم هذا؛ إذ لا جواب لهم سواه، ولا رازق إلا هو ولا معطي غيره { وَ } بعدما بهتوا وانحسروا، واستولى الحيرة والقلق عليهم، قل لهم على سبيل المجاراة والمداراة: { إِنَّآ } يعني: فرق الموحدين { أَوْ إِيَّاكُمْ } يعني: فرق المشركين؛ أي: كل منا ومنكم { لَعَلَىٰ هُدًى } أي: على الحق المطابق للواقع { أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 24] ظاهر انحرافه، موصل إلى الباطل الزاهق الزائل، المضاد للحق الحقيق بالمتابعة والانقياد.
{ قُل } لهم أيضاً على سبيل المجاراة والمبالغة في المداراة معهم، بحيث تسند الجرم إلى أنفسكم والعمل إليهم؛ مبالغة في الإسكات والتبكيت: { لاَّ تُسْأَلُونَ } أنتم { عَمَّآ أَجْرَمْنَا } وجئنا به من الآثام { وَلاَ نُسْأَلُ } نحن أيضاً { عَمَّا تَعْمَلُونَ } [سبأ: 25] من الأعمال، بل كل منا ومنكم رهين ما اكتسبنا من العمل، فعليكم ما حملتم، وعلينا ما حملنا.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل أيضاً على طريق الملاينة والملاطفة في الإلزام والتبكيت: { يَجْمَعُ بَيْنَنَا } وبينكم { رَبُّنَا } يوم نحشر إليه ونعرض عليه { ثُمَّ يَفْتَحُ } أي: يحكم ويفصل { بَيْنَنَا } ويرفع نزاعنا { بِٱلْحَقِّ } أي: العدل السوي بلا حيف وميل، فيساق المحقون نحو الجنة والمبطلون نحو النار { وَ } كيف لا يحكمل ويفصل سبحانه { هُوَ ٱلْفَتَّاحُ } لمعضلات الأمور، الحاكم لمعلقات القضايا { ٱلْعَلِيمُ } [سبأ: 26] الذي يكتنه عنده كل معلوم، ولا يشتبه عليه شيء منها.
{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما أشبعت الكلام على إسكاتهم وإلزامهم: { أَرُونِيَ } وأخبروني أيها المشركون { ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ } أي: بالله سبحانه، وادعيتموه { شُرَكَآءَ } معه، مستحقين للعبادة مثله، وأخبروني عن أخص أوصافهم التي بها يستحقون الألوهية والمعبودية، لا تأمل أيضاً في شأنهم والتدبر في حقهم، ثم رد عليهم سبحانه؛ ردعاً لهم وزجراً عا هم عليه، وإرشاداً لهم إلى ما هو الحق الحقيق بالاتباع، فقال: { كَلاَّ } أي: ارتدعوا أيها المشركون، المسرفون عن دعوى الشركة مع الله الواحد الأحد الصمد، الفرد الوتر، الذي ليس له شريك ولا نظير ولا وزير ولا ظهير { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد، المستقل بالألوهية والربوبية، بل هو في الوجود والتحقق { ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر الظاهر على من دونه من الأظلال الهالكة المضمحلة، المتلاشية في شمس ذاته، المتشعشعة المتجلية حسب أسمائه وصفاته { ٱلْحْكِيمُ } [الحكيم: 27] المقتن في أفعاله المترتبة على علمه وإرادته وقدرته، يفعل ما يشاء إرادة واختياراً، ويحكم ما يريد استقلالاً، ليس لأحد أن يتصرف في ملكه وملكوته.
{ وَ } بعدما ثبت ألاَّ معبود في الوجود سوانا، ولا مستحق للعبادة غيرنا، فاعلموا أنَّا { مَآ أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل بعدما انتخبناك من بين البرايا واصطفيناك منهم { إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } أي: رسالة عامة، شاملة لقاطبة الأنام؛ لتكفهم عن جميع الآثام، وتمنعهم عن مقتضيات نفوسهم ومشتهيات قلوبهم مما يعوقهم عن سبل السلامة وطرق الاستقامة، وبعدما أرسلناك إليه، صيرناك عليهم { بَشِيراً } تبشرهم إلى درجات الجنان، والفوز بلقاء الرحمن { وَنَذِيراً } تنذرهم وتبعدهم عن دركات النيران وأنواع العذاب والحرمان { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الكفران والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [سبأ: 28] حكمة الإرسال والإرشاد والهداية إلى سبيل الصواب والسداد؛ لذلك عاندوا معك وكذبوك وأنكروا بكتابك، وبجميع ما جئت به من عندنا عناداً ومكابرة.
{ وَيَقُولُونَ } لك منكريكن متهكمين، بعدما وعدتهم بقيام الساعة وبعث الموتى من قبورهم، وحشر الأموات من الأجداث: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الذي وعدتنا به، عيِّنوا لنا وقت وقوع الموعود { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [سبأ: 29] في وعدكم ودعواكم، هذا يعنون بالخطاب رسول لاله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعاً.
{ قُل } يا أكمل الرسل في جوابهم بعدما اقترحوا على سبيل الإنكار: يناجي { لَّكُم } أيها المنكرون للبعث بغتة { مِّيعَادُ يَوْمٍ } أي: وعده أو زمانه بحيث { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [سبأ: 30] أي: لا يسع لكم متى فاجأكم أن تطلبوا التأخر عنه آناً أو التقدم عليه طرفةً.
وبالجملة: قيام الساعة إذ حل عليكم، لا يمكنكم هذا، ولذا قيل: الموت هو القيامة الصغرى، وقال: صلى الله عليه وسلم:
"من مات فقد قامت قيامته" .