خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
٥١
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٢
إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٥٣
فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٤
-يس

تفسير الجيلاني

وبالجملة: متى سمعوا الصيحة الأولى ماتوا فجأة بلا إمهال لهم ساعة { وَ } بعدما ماتوا بالصيحة الأولى، وصاروا كسائر الأموات { نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } مرة أخرى بعد الصيحة الأولى { فَإِذَا هُم } أي: جميع الأموات، صاروا أحياء قائمين هائمين، خارجين { مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي: القبور { إِلَىٰ رَبِّهِمْ } الذي يناديهم للعرض والجزاء { يَنسِلُونَ } [يس: 51] يذهبون ويسرعون طوعاً وكرهاً؛ إذ لا مرجع لهم سواه، ولا ملجأ إلا هو.
ثم لما أفاقوا من ولههم وحيرتهم ورأوا مقدمات العذاب والنكال { قَالُواْ } أي: بعضهم لبعض متحيرين متحسرين: { يٰوَيْلَنَا } وهلكنا، تعال فهذا أوانك { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } أي: قبرنا الذي كنا فيه مستودعين؛ أي: كل منا مستودع على صاحبه، وإن كان هناك عذاب أيضاً، لكن لا تفضيح، أو المعنى: من أيقظنا عن نومنا الذي كنا عليه قبل النفخة الثانية المجيئة، وبعد النفخة الأولى المهيئة، إنما قالوا تحسراً وتحزناً.
ثم قيل لهم حينئذ من قبل الحق: { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } أي: يومكم هذا هو اليوم الموعود الذي وعده الرحمن، وأخبره على ألسنة رسله وكتبه؛ لينقذكم من عذابه بمقتضى سعة رحمته { وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [يس: 52] في جميع ما جاءوا من قِبل ربهم من الأمور المتعلقة بالنشأة الأخرى، وأنتم من كمال بغيكم وبغضكم على الله ورسوله في النشأة الأولى أنكرتم الرحمن وكذبتم الرسل الكرام، فاليوم يلقاكم ما كذبتم به.
ثم قال سحبانه تقريعاً وتوبيخاً على المشركين المنكرين لقدرته وكمال عزته وسطوته واستقلاله في تصرفات ملكه وملكوته، وإظهاراً لعلو شأنه وسمو برهانه بأن أمثال هذه المقدورات في جنب قدرتنا الكاملة في غاية اليسر والسهولة؛ لذلك { إِن كَانَتْ } أي: ما كانت الفعلة منا في أمر البعث وقيام الساعة وحشر الأموات { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } صادرة بأمرنا فجأة، وهي الصيحة الثانية، أو ما وقعت الفعلة منا وبأمرنا إلا صيحة واحدة { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ } أي: كل الأموات مجموعون { لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 53] عندنا، مع أنه صدر عنا في إحضارهم وجمعهم إلا صيحة واحدة دفعية.
{ فَٱلْيَوْمَ } أي: بعد حضر الكل لدينا واجتمع عندنا للعرض والحساب وتنقيد الأعمال، وجزاء الأفعال الصادرة عنهم في دار الاختبار { لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } ولا تنقص من أجور أعمالها الصالحة { وَ } لا تزاد أيضاً على فاسدها على مقتضى عدلنا، بل { لاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [يس: 54] أي: بمقتضى عملهم، إن كان خيراً فخير وإن شراً فشر.