خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
٢
أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ
٣
لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٤
-الزمر

تفسير الجيلاني

{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } المبين لطريق التوحيد، المنبه على وحدة الحق وكمالات أسمائه الحسنى وأوصافه العظمى { مِنَ ٱللَّهِ } المدبر لجميع ما جرى في ملكه وملكوته؛ إلا لا منزل في الوجود سواه سبحانه { ٱلْعَزِيزِ } الغالب في أمره بالاستقلال والاختيار { ٱلْحَكِيمِ } [الزمر: 1] المتقن في فعله حسب علمه المحيط وقدرته الشاملة وإرادته الكاملة.
وبعدما بيَّن سبحانه أمر التنزيل عموماً أشار إلى التنزيل المخصوص المتمم المكمل لأمر التنزيل والإنزال مطلقاً فقال: مشيراً إلى عظم قدر المنزل إليه، وجلالة شأنه، ورفع رتبته ومكانه: { إِنَّآ } من مقام عظيم جودنا { أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل تعظيماً لشأنك وتأييداً لأمرك { ٱلْكِتَابَ } الجامع لجميع ما في الكتب السالفة، مع زوائد خلت عنها كلها ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع بلا شوب شك وريب في نزوله منَّا { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ } الذي اصطفاك لرسالته وخصصك بكتابه، هذا حال كونك شاكراً لنعمه، معترفاً بكرمه { مُخْلِصاً } في عبوديتك وعبادتك إياه، مجتنباً عن مداخل الشرك ورعونات الرياء مطلقاً؛ إذ { لَّهُ ٱلدِّينَ } [الزمر: 2] أي: لا مستحق للإطاعة الخالصة والانقياد الصافي سواه، ولا يعبد بالحق إلا إياه.
وبعدما أمر سبحانه بالعبادة والإخلاص في الإطاعة والانقياد، نبه على عموم عباده بالإخلاص في الطاعات، والخلوص في نيات العبادات، فقال: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } أي: تنبهوا أيها المجبولون على فطرة التوحيد أن الدين الذي كلفكم الحق عليه، واوجبه عليكم، هو الدين الخالص عن أمارات الشرك ومقتضيات الهوى، الصافي عن شوب العجب والسمعة وشين الرياء، وبعدما وضح أن الدين الخالص لله، ولا مستحق له سواه.
{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي: والمشركون الذين ادعوا الولاؤة لغير الله، واستحقاق الإطاعة والانقياد لسواه، قالوا في تعليل اتخاذهم حين سئلوا عنه ونجوا عليه { مَا نَعْبُدُهُمْ } أي: هؤلاء الغرانيق العلا التي هي الأصنام والأوثان، وجميع ما يعبد من دونه سبحانه { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي: تقريباً كاملاً؛ لأنهم كملة مقبولون عنده، مكرمون لديه سبحانه، فنتوسل بهم؛ لنصل إلى قرب الحق وجواره.
لا تبالوا أيها الموحدون المتمسكون بحبل التوفيق الإلهي بقولهم هذا، ولا تلتفوا إلى أبطاليهم الزائغة { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لما في ضمائرهم من الشرك والعناد على سبيل الرشاد والثبات { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وبينكم بمقتضى علمه وخبرته { فِي مَا هُمْ فِيهِ } من الشرك { يَخْتَلِفُونَ } معكم أيها الموحدون بأن يدخلهم في النار بأنواع المذلة والهوان، ويوصلكم إلى الجنة بالمغفرة والرضوان، وكيف لا يدخل سبحانه المشركين النيران بأنوع الخزي والهوان { إِنَّ ٱللَّهَ } الحكيم المتقن في أفعاله { لاَ يَهْدِي } أي: لا يوفق على الهداية والرشاد { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ } في حق الله ومقتضى ألوهيته وربوبيته، واستقلاقه في ملكه وملكوته { كَـفَّارٌ } [الزمر: 3] بنعمه الموهوبة له من فضله وكرمه.
حيث أثبت له سبحانه شريكً وولداً مع أنه { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد، المستقل في الألوهية والوجود، المنزه عن الأهل والولد { أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } ويختار صاحبةً { لاَّصْطَفَىٰ } واختيار { مِمَّا يَخْلُقُ } أي: من بين سائر مخلوقاته في جميع شئونه وحالاته { مَا يَشَآءُ } أولى وأنسب له، وأليق بشأنه من مريم وعيسى، فكيف من الأصنام والأوثان { سُبْحَانَهُ } أي: تعالى شأنه وتنزه ذاته الواحد الأحد الصمد الذيل لم يلد ولم يولد عن إيجاد الصاحبة والولد، بل { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } من جميع الوجوه، المستقل بالألوهية والوجود { ٱلْقَهَّارُ } [الزمر: 4] لعرق السوى والأغيار مطلقاً قطعاً لعرق الشركة عن أصله.