خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ
٧٣
وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٧٤
وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٧٥
-الزمر

تفسير الجيلاني

{ وَسِيقَ } أيضاً سوق الحمام إلى المسرح { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } عن محارم الله بمقتضى أوامره ونواهيه الجارية على ألسنة رسله وكتبهم { إِلَى ٱلّجَنَّةِ } المعدة لفيضان أنواع اللذات الروحانية على أهلها { زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا } فرحين مسرورين، وتحننوا نحوها { وَ } قد { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } عناية من الله إياهم { وَقَالَ لَهُمْ } حينئذ { خَزَنَتُهَا } ترحيباً وتكريماً: { سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ } أيها المهديون المهتدون الذين { طِبْتُمْ } وطهرتم أنفسكم في دار الاختبار عن دنس الشهوات ورين المزخرفات { فَٱدْخُلُوهَا } أي: الجنة المشتملة على أنواع الكرامات وأصناف السعادات الآن، وكونوا { خَالِدِينَ } [الزمر: 73] فيها أبد الآباد بلا نقل وتحويل، إلا إلى ما شاء الله لأهل العناية من الدرجات العلية التي لا تكتنه ولا توصف.
{ وَ } بعدما تمكنوا في مقر العز والحضور { قَـالُواْ } مسترجعين إلى الله، عادين موائد إنعامه وإفضاله على أنفسهم، قائمين لأداء حقوقها: { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ } والمنة لله { ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } أي: جميع ما وعدنا الله به في النشأة الأولى بوحيه النازل على ألسنة أنبيائه ورسله من المعتقدات الاخروية.
{ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } أي: المقر الموجود الذي بشرنا به الرسل الكرام، وهي الجنة الموروثة لأهل العناية من سوابق الإيمان والمعرفة والأعمال الصالحة الصادرة منهم في دار الاختبار، ومكننا فيه؛ بحيث { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ } وننزل { حَيْثُ نَشَآءُ } يعني: ينزل ويستريح كل منَّا حي شاء وأراد من المقامات البهية الدرجات العلية، بلا مضايقة وممانعة { فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [الزمر: 74] المخلصين المخلِّصين نفوسهم عن أودية الجهالات والضلالات بنور الآيات البينات، الواصلين إلى روضة الرضا وجنة التسليم، اللهم ارزقنا بلطفك العميم، واجعلنا من ورثة جنة النعيم.
{ وَ } بعدما تقرر أهل النار في النار، وأهل الجنة في الجنة { تَرَى } أيها المعتبر المنكشف بكمال عظمة الله وجلاله { ٱلْمَلاَئِكَةَ } أي: الأسماء والصفات الإلهية، عبر عنها سبحانه بالملائكة المهيمين المستغرقين بمطالعة وجهه الكريم { حَآفِّينَ } صافين محدقين محلقين { مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } أي: حول عرشه العظيم المستغني عن عروش مطلق المظاهر، والحال الكائنة في عالمي الغيب والشهادة؛ إذ هو سبحانه غني بذاته عن مطلق التعينات الطارئة على شئونه وتطوراته، لذلك { يُسَبِّحُونَ } وينزهون أولئك المهيمون ذاته سبحانه عن سمات الحدوث والإمكان مطلقاً دائماً، ويواظبون { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } على ما وهب هلم المعرفة بعلو شأنه وسمو برهانه، وباستغنائه في ذاته عن مظاهر أوصافه وأسمائه جميعاً { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ } أي: هم يحمدونه ويثنون عليه سبحانه أيضاً على عموم قضائه وحكمه، وأحكامه الجارية بين عباده بمقتضى العدل القويم.
{ وَ } بالجملة: { قِيلَ } من قبل كل من يتأتى منه الرجوع إليه سبحانه والتوجه نحوه طوعاً على الوجه الذي أمر به: { ٱلْحَمْدُ } المطلق المستوعب لجمع الأثنية والمحامد الصادرة من عموم المظاهر ثابت { لِلَّهِ } أي: للذات المستجمع لجميع أوصاف الكمال بالاستحقاق والاستقلال لكونه { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الزمر: 75] بمقتضى توحيده وانفراده، فيكون جميع محامدهم مختصة به سبحانه؛ إذ لا مربي لهم سواه.
حققنا بكرمك بحق قدرك وبقدر حقك يا ذا القوة المتين.
خاتمة السورة
عليك أيها المحمدي القاصد للتحقيق والإدراك بكمال عظمة الله وجلاله، أن تتأمل في أواخر هذه السورة، وتتعمق فيها وفي كشف سرائرها ومرموزاتها وإشاراتها الخفية وعباراتها المنبهة على وحدة الحق وحقيته؛ لينكشف لك أنه لا شغله شأن عن شأن، ولا يقدر تحقق وقيوميته زمان ومكان، بل هو كائن على ما كان في كل آن وشأن بلا زمان ومكان.