خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً
١٦٣
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٦٥
-النساء

تفسير الجيلاني

{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ } من مقام جودنا { إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل الكتاب الجامع لجميع ما في الكتب السالفة على الوجه الأبلغ، الأبيَّن لطريق التوحيد { كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ } صحفاً مبينة لطريق التوحيد والتنزيه؛ قدم لكونه أول من أُنزل إليه الكتاب، وأقدم من سائر الأنبياء { وَ } أوحينا أيضاً بعد نوح إلى { ٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } ما يبنون به طريق الحق من الكتب والصحف { وَأَوْحَيْنَآ } خصوصاً { إِلَىٰ } آبائك { إِبْرَاهِيمَ } المتخلف بأخلاقه الإلهية، المتحقق بمقام الخلفة { وَإِسْمَاعِيلَ } المتمكن بمقام الرضا والتسليم.
{ وَإسْحَاقَ } المترقب، المتوجه إلى الحق من كل صورة وشكل؛ لتحققه بمقام التوحيد { وَيَعْقُوبَ } المتوجه إلى الله في السراء والضراء؛ لتحققه في مقام التفويض { وَٱلأَسْبَاطِ } المتوجهين إلى الله في جميع حالاتهم، منهم: يوسف المترقي من الصور الخيالية إلى الأمور العينية والغيبية لصفاء ظاهره وباطنه عن الكدورات البشرية { وَعِيسَىٰ } المؤثر في العلم بالتأثيرات الإلهيات والنفسات الرحمانية؛ لاضمحلال ناسوتيته في لاهوتيه الحق { وَأَيُّوبَ } المتحقق في مقام الصبر والرضا بما جرى عليه من القضاء؛ لتحققه بمقام العبودية { وَيُونُسَ } المتحقق في مقام الخوف والرجاء مع الله.
{ وَهَارُونَ } المتمكن في مرتبة الأمانة والديانة واطمئنان النفس { وَسُلَيْمَانَ } الجامع لجميع مراتب عالم الشهادة؛ لتحققه في مقام البسطة والاستيلاء { وَآتَيْنَا } من فضلنا وجودنا { دَاوُودَ } المتحقق بمقام الحكمة المتقضية للتدبيرات الواقعة بين مراتب الإلهية { زَبُوراً } [النساء: 163] يفصل به بين الحق والباطل و الخطأ والصواب.
{ وَ } كما أرسلنا هؤلاء المذكورين، أرسلنا أيضاً { رُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ } في كتابك { مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ } كمل أمر الوحي في موسى؛ إذ { كَلَّمَ ٱللَّهُ } المرسل للرسل، المنزل للكتب { مُوسَىٰ } المتحقق بمقام القرب والوصول { تَكْلِيماً } [النساء: 164] لا يدرك كيفيته، ولا يكتنه لميته.
وإنما أرسلنا { رُّسُلاً } وأنزلنا معهم كتباً؛ ليكونوا { مُّبَشِّرِينَ } للناس بالتوحيد وسائر المأمورات الواردة في طريقه، المؤدية إليه { وَمُنذِرِينَ } لهم عن الشرك المنافي له وعن جميع المحرمات المفضية إليه { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } المجبولين على الجدال والنزاع { عَلَى ٱللَّهِ } المنزه عن المجادلة والمراء { حُجَّةٌ } متمسك وغلبة حين أخذهم بالانتقام يوم الجزاء إذ لا يبقى لهم مجادلة ومرءا { بَعْدَ } إرسال { ٱلرُّسُلِ } لإهدائهم إلى طريق الحق وسبيل التوحيد مع كونهم مؤيدين بإنزال الكتب من عنده { وَكَانَ ٱللَّهُ } المستقل في الألوهية { عَزِيزاً } غالباً في أوامره ونواهيه { حَكِيماً } [النساء: 165] في تدبيراته المتعلقة بها.