{وَ} من ضعفه المسلمين قوم {إِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ} موجبات {ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} أي: فشوه ونشروه سواء كان واقعاً أما أراجيف، ولحق للمسلمين بسبب تلك الإذاعة والأشاعة ما لايليق بهم {وَلَوْ} أنهم حين سمعوا الخبر {رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ} أصحاب الرأي والتدبير {مِنْهُمْ} ليتأملوا فيه ويتبصروا { لَعَلِمَهُ} واستخرجه البتة المجتهدون {ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} وأمثاله {مِنْهُمْ} وجهاً موجباً للإفشاء أو الإسرار، ولا تغتروا أيها المؤمنون بعقولكم، ولا تستبدوا برأيكم {وَ} اعلموا أنه {لَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ} بإرسال الرسول فيكم، وإنزال الكتب علكيم {وَرَحْمَتُهُ} الشاملة بكم بتوفيقكم على الإيمان، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم {لاَتَّبَعْتُمُ} بأجمعكم {ٱلشَّيْطَانَ} المضل عن طريق الحق {إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83] منكم، وهم الذين استثناهم الله سبحانه في سابق عمله تفضلاً عليهم وامتناناً، وإن انصرفوا عنك بالمرة وانتشروا من حولك.
{فَقَاتِلْ} بنفسك يا أكمل الرسل {فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} إذ {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} ولا تحمل أعباء الرسالة إلا عليك، فعليك أن تشعر ذيلك لأمر الجهاد، لا تبال بإعانتهم وانتصارهم، ولا بتقاعدهم وانتشارهم، فإن الله ناصرك ومعينك لا الجنود {وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} أي: رغبهم على القتال؛ إذ ما عليك في شأنهم إلا الترغيب والتبليغ سواء قبلوا أو لم يقبلوا، ولا تخف من كثرة المشركين وعظم شركهم {عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ} أي: يمحو عن قبلك {بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني: قريشاً {وَٱللَّهُ} المنتقم المقتدر بالقوة التامة الكاملة {أَشَدُّ بَأْساً} مهابة {وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} [النساء: 84] تعذيباً من هؤلاء الغواة الطغاة، يكفيك مؤونة شرورهم عن قريب، وقد كفاه بأن ألقى في قلوبهم الرعب، فرجعوا خائبين خاسرين.
{مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً} يراعي بها حق الله وحقوق عباده، ويرغبهم بها على الخير، ويبعدهم عن الشر، خالصاً لرضا الله بلا تغرير لنفسه وجلب نفع لها، أو دفع ضر عنها {يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} من ثواب الشفاعة التي تسبب لها، والدعاء الخير للأخ المسلم من هذا القبيل، قال عليه السلام: "من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له، وقال الملك: ولك مثل ذلك" {وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً} يحمل بها إلى ارتكاب محرم، أو يوقعهم في فتنة وبلية {يَكُنْ لَّهُ} أيضاً {كِفْلٌ} نصيب {مِّنْهَا} من أوزارها وآثامها المترتبة عليها مثل فاعلها بل أزيد {وَكَانَ ٱللَّهُ} المجازي لعباه {عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ} من الحسنة والسيئة {مُّقِيتاً} [النساء: 85] مقتدراً على جزاء كل منهما فضلاً وعدلاً.