ثم أشار سبحانه إلى تقريع أهل الزيغ والضلال، وتفضيح أصحاب العناد والجدال، فقال مستبعداً مستنكراً إياهم: {أَ} ينكرون قدرتنا عليهم وانتقامنا عنهم {وَلَمْ يَسِيروُاْ} ويسافروا {فِي ٱلأَرْضِ} الموروثة لهم من أسلافهم الذين أسرفوا على أنفسهم أمثالهم {فَيَنظُرُواْ} بنظر التأمل والاعتبار؛ ليظهر عندهم {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} المسرفين {ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} مستقرين عليها، متمكنين فيها، مترفهين أمثالهم، بل {كَانُواْ هُمْ} أي: أسلافهم {أَشَدَّ مِنْهُمْ} أي: من هؤلاء الأخلاف {قُوَّةً} وقدرة وأكثر أموالاً {وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ} أي: حصوناً وقلاعاً وقصوراً وأخاديد، وغير ذلك مما صدر من ذوي الأحلام السخيفة، ومع ذلك ما أغنى عنهم شيئاً من غضب الله وعذابه، بل {فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ} المنتقم منهم {بِذُنُوبِهِمْ} التي صدرت عنهم على سبيل البطر والغفلة، فاستأصلهم بالمرة {وَمَا كَانَ لَهُم} حينئذ {مِّنَ} عذاب {ٱللَّهِ} وبطشه {مِن وَاقٍ} [غافر: 21] حفيظ لهم، يمنع عذاب الله عنهم.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي: ما ذلك البطش والانتقام إلا بسبب أنهم من شدة عتوهم وعنادهم {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم} من قِبل الحق مؤيدين {بِٱلْبَيِّنَاتِ} الواضحة والبراهين القاطعة من أنواع الآيات والمعجزات {فَكَفَرُواْ} بالله وبهم أمثال هؤلاء التائهين في بيدات الغفلة والغرور، وأنكروا على بيناتهم، ونسبوها إلى السحر والشعبذة، وظهروا على رسل الله بأنواع الخرافات والهذيانات {فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ} القدير الحليم بكفرهم وعتوهم، بعدما أمهلهم زماناً، يترددون فيما يرمون ويقصدون فيه، وكيف لا يأخذهم سبحانه {إِنَّهُ قَوِيٌّ} مطلق، وقدير كامل على من ظهر عليه وخرد عن ربقة عبوديته {شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [غافر: 22] صعب الانتقامم على من كذب وتولى على الرسل الكرام.