خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ
٥٨
إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
٥٩
وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
٦٠
-غافر

تفسير الجيلاني

ومن أعظم ما يجادلون فيه أولئك المكابرون أمر السعة والمعاد الجسماني، وبعث الموتى من قبورهم وحشرهم إلى المحشر، والله { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: إظهار العلويات والسفليات من كتم العدم على سبيل الإبداع في النشأة الأولى { أَكْـبَرُ } وأعظم { مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } وإعادتهم أحياء في النشأة الأخرى { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 57] قدرة الحق واقتداره على جميع ما دخل في حيطة علمه الشامل، وإرادته الكاملة؛ لقصورهم نظرهم عن إدراك الحق وصفاته { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40].
ثم أشار سبحانه إلى تفاوت طبقات عباده في العلم بالله والجهل به وبصفاته، فقال: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ } الغافل عن ظهور ذات الحق ومقتضيات أوصافه العظمى وأسمائه الحسنى { وَٱلْبَصِيرُ } العرف الكاشف بوحدة الحق، وظهوره سبحانه على هياكل جميع ما ظهر وبطن سبحانه حسب أسمائه وشئونه الذاتية { وَ } لا المصلحون المحسنون { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله واعتقدوا بتوحيده { وَ } مع ذلك { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقبولة عنده سبحانه من الأ‘مال والأفعال المترتبة على الإيمان واليقين { وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } أي: المسيئون الأدب مع الله، وهم الكفرة الذين لا يؤمنون بالله، ولا يتصفون بتوحيده، بل يستروحون شروق شمس ذاته بغيوم هوياتهم الباطلة، وأظلال أنانياتهم الزائلة المضمونة في شمس الذات؛ لذلك عملوا عملاً سيئاً بمقتضى ما تهويه نفوسهم الخبيثة وأخلاقهم السخيفة، لكن { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } [غافر: 58] أي: ما تتذكرون وتتفطنون على عدم المساواة إلا تذكراً قليلاً؛ لذلك تنكرون البعث والحشر.
وكيف تنكرونه؟! { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ } الموعودة على ألسنة عموم الأنبياء والرسل { لآتِيَـةٌ } ألبتة؛ بحيث { لاَّ رَيْبَ فِيهَا } أي: في مجيئها ووقوعها بوضوح الدلائل العقلية الدالة على إمكان إعادة المعدوم، مع أنها مديدة بالوحي والإلهام على عموم الأنبياء والرسل الكرام { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [غافر: 59] بها، ولا يصدقون وقوعها وقيامها؛ لانحطاطهم عن مرتبة الخلافة المترتبة على فطرة التوحيد واليقين.
{ وَ } بعدما أشار سبحانه إلى مرتبة كلا الفريقين الموعد والمشرك، أشار إلى أن من توجه نحوه محنناً، وقصد تجاه توحيده مجتهداً، ودعا إليه متضرعاً، أجاب له وأنجح مطلوبه؛ حيث { قَالَ رَبُّكُـمُ } الذي رباكم على فطرة التوحيد والعرفان: { ٱدْعُونِيۤ } أيها المكلفون بمقتضى العقل المفاض حق دعوتي، وتوجهوا إلى مخصلين بلا رؤية الأسباب والوسائل في البين { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } دعوتكم، وأوصلكم إلى مقصدكم ومقصودكم الذي هو توحيد الذات، فعليكم ألاَّ تستكبروا عن عبادتي وإطاعتي، وبالجملة: { إِنَّ } المسرفين { ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ } ويستكنفون { عَنْ عِبَادَتِي } بمقتضى أرائهم الباطلة وأهوائهم الفاسدة { سَيَدْخُلُونَ } في يوم الجزاء { جَهَنَّمَ } الحرمان والخذلان { دَاخِرِينَ } [غافر: 60] صاغرين ذليلين مهانين.