خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

تفسير الجيلاني

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني: أينكر المشركون المصرون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية كمال قدرته سبحانه على أنواع الانتقام والعذاب، فلم يسيروا في الأرض التي هي محل الكون والفساد { فَيَنظُرُواْ } عليها معتبرين من البلاقع والخربة والأطلال المندرسة { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } الأمم الهالكة المسرفة { ٱلَّذِينَ } مضروا { مِن قَبْلِهِمْ } مع أنهم { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ } عَدداً وعُدداً { وَأَشَدَّ قُوَّةً } أي: بسطة واستيلاء { وَ } أحكم { آثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } أي: أبنية وقصوراً وقلاعاً وحصوناً مشيدة مرفوعة، ومع ذلك { فَمَآ أَغْنَىٰ } وأدفع { عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [غافر: 82] عليها من الأمور المذكورة شيئاً من غضب الله وعذابه، بل لحقهم ما لحقهم من العذاب، بحيث لا شعور لهم بأماراته ومقدماته فاستأصلهم بالمرة.
{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: فهم في العتو والعناد كانوا كأمثال هؤلاء المسرفين، لما جاءهم رسلهم المبعوثون إليهم بالمعجزات والآيات الواضحات، المبينة لطريق الحق، لم يلتفتوا ولم يلقوا أسماعهم نحوها تعنتاً واستكباراً، بل { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } أي: الجهل المركب المركوز في طباعهم من تقليد آبائهم على أوجه الأصرار، بلا التفات منهم إلى ما ظهر من الوحي الإلهي المنزل على رسلهم، بل كذبوهم واستهزءوا معهم { وَ } لهذا { حَاقَ } وأحاط { بِهِم } وبال { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [غافر: 83] حين دعوة الرسل وإرشادهم إلى طريق الحق بأنواع الوعد والوعيد، وكانوا على ما هم عليه من العناد مصرين مستكبرينز
{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي: عذابنا وبطشنا حلَّ عليهم { قَالُوۤاْ } متذكرين دعوة رسلهم متسحرين على ما فوَّتوا على أنفسهم: { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } على الوجه الذي هدانا إليه رسله { وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [غافر: 84] من الأصنام والأوثان، وسائر ما عبدنا من دونه سبحانه.
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } إذ حينئذ قد انقضى زمان التدارك والتفلافي، وبالجملة: قد كانت هذه الديدنة المستمرة { سُنَّتَ ٱللَّهِ } العليم الحكيم { ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ } ومضت { فِي عِبَادِهِ } المستكبرين عن إطاعته وانقياده حين دعوة الرسل وإرشادهم { وَ } بعد حلول أوان اليأس ونزول العذاب { خَسِرَ هُنَالِكَ } أي: عنده { ٱلْكَافِرُونَ } [غافر: 85] المصرون على الإنكار والاستهزاء خسراناً عظيماً في الدنيا، وفي الآخرة أعظم منه وأدوم، أعاذنا الله وعموم عباده المؤمنين من بأسه وبطشه مبنِّه وجوده.
خاتمة السورة
عليك أيها المحمدي القاصد نحو الحق المتوجه إلى توحيده - وفقك الله على إنجاح مهامك، وأوصلك إلى منتهى مقصدك ومرامك - أن تكون على خبرة كاملة من آيات الله النازلة من عنده سبحانه؛ لإهداء عباده التائهين في فضاء وجوده وعبرة تامة سريان وحدته الذاتية على عموم هياكل ما لمع عليه بروق تجلياته الجمالية والجلالية المنتشئة من ذاته حسب شئونه وتطوراته المتفرعة على أسمائه الحسنى وأوصافه العظمى.
فلك ألاَّ تغفل في عموم أحوالك عن مطالعة جمال الله وجلاله في كل ذرة من ذرائر الأكوان على وجه الاستبصار والاعتبار، بلا شائبة شك وإنكار وتردد واستكبار؛ لئلا تلحق بالأخسرين الذين يؤمنون بالله وتوحيده، حين يكُ ينفعهم إيمانهم؛ لانقضاء نشأة التلافي والاختبار، وذلك حين يعرضون على الملك الجبار، ويساقون إلى النار بأنواع الخسار والبوار.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وقنَّا عذاب النار.