خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٧
وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ
١٨
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
-فصلت

تفسير الجيلاني

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } بإرسال الرسل أياهم؛ ليرشدوهم إلى النجاة، وينقذوهم من الضلال، وبعدما بلغهم الرسل ما بلغهم من آيات الهداية والرشاد، كذبوهم وأنكروا هدايتهم { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ } والضلال بمقتضى عميهم وغفلتهم { عَلَى ٱلْهُدَىٰ } المنزل عليهم من عندنا على ألسنة رسلنا، وبعدما أصروا على ما هم عليه من الغواية { فَأَخَذَتْهُمْ } فجأة { صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } المخزي المذل النازل من نحو السماء على صورة الصاعقة السريعة الجري والحركة، فاستأصلهم بالمرة { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [فصلت: 17] أي: بشؤم ما يقترفون من المعاصي والآثام الجالبة إياهم شدة غضب الله وعذابه.
{ وَ } من كمال قدرتنا على الإنعام والانتقام { نَجَّيْنَا } من تلك الصاعقة المهولة المهلكة القوم { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } برسلنا واهتدوا هدايتهم، مع أنهم كانوا فيهم مجارين معهم { وَ } بسبب تخليصنا إياهم أنهم { كَانُواْ يتَّقُونَ } [فصلت: 18] عن محارمنا ومنهياتنا، مع كونهم مصتفين بكمال الإيمان والتوحيد.
{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن عاندك من المشركين { يَوْمَ يُحْشَرُ } ويُساق { أَعْدَآءُ ٱللَّهِ } بعد العرض والحساب { إِلَى ٱلنَّارِ } المعدة لجزائهم { فَهُمْ } حينئذ { يُوزَعُونَ } [فصلت: 19] أي: يدفعون؛ يعني: حبس أولهم ومقدومهم على أخرهم؛ لئلا ينقطع تلاحقهم وأجتماعهم.
{ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } أي: حضروا النار، وازدحموا حولهم مجتمعين صائحين فزعين مجادلين منكرين بصدور أسباب العذاب عنهم، مع أنهم يحاسبون أولاً ثم يساقون نحو النار، ولإسكاتهم وتبكيتهم عن الجدال والمراء { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم } أي: أعترشفت جوارحهم وقواهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [فصتل: 20] ويقترفون بها من المحرمات والمنهيات، بأن يلهمهم الله الاعتراف والتنطق بلسان الحال والمقال؛ إذ الكل مما أحاطت به قدرته سبحانه.
{ وَ } بعدما سمعوا من قواهم ما سمعوا من الاعتراف { قَالُواْ } موبِّخين مقرعين { لِجُلُودِهِمْ } وجوارحهم المعترفة بذنوبهم: { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } مع أنَّا لا نُعذب إلا بكم ومعكم؟ من أين تجترئون على أنفسكم بالعرض على العذاب المؤبد أيها الحمقى الجهلاء { قَالُوۤاْ } ما كنا مختارين في هذه الشهادة والاعتراف، بل { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ } القادر المقتدر العليم الحكيم { ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } بآيات وجوب وجوده، ودلائل توحيده بمقتضى جوده، وليس تعجباً من قدرته سبحانه إنطاقنا بما اقترفتم بنا من المعاصي والآثام المخالفة لأمره وحكمه، غيره منه سبحانه، وقهراً على من خرج عن ربقة عبوديته بترك أوامره وأحكامه.
{ وَ } كيف لا يغار ويقهر سبحانه عليكم أيها المفسدون المسرفون مع أنه { هُوَ } بذاته وبمقتضى أسمائه وصفاته { خَلَقَكُمْ } وأظهركم من كتم العدم خلقاً إبداعياً { أَوَّلَ مَرَّةٍ } بلا سبق مادة ومدة، وشركة من أحد ومظاهرة { وَإِلَيْهِ } أيضاً آخر مرة كذلك { تُرْجَعُونَ } [فصلت: 21] رجوع العكوس والأظلال إلى الأضواء، والأمواج إلى الماء، فمن أين تستنكفون عن عبوديته، وتخرجون عن حكمه وأمره؟!.