{وَ} من شدة غيهم وضلالهم والمفضي إلى الخسران العظيم {قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} بك وبدينك وبكتابك - يا أكمل الرسل - حين تلاوتك وتبليغك عليهم آيات القرآن {لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ} ولا تلفتوا إلى محمد حين قرأ، بل {وَٱلْغَوْاْ فِيهِ} بالصياح، وإنشاد الأشعار، وخلط الأصوات والخرفات {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] محمداً، وتدفعون قراءتهم، وتخجلونه فيسكت.
وهم من شدة شكيمتهم وغيظهم، وإن بالغوا في تخجيلك وتخذيلك يا أكمل الرسل لا تبالِ بهم وبفعلهم هذا {فَلَنُذِيقَنَّ} لهولاء {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} بك وأساءوا الأدب معك {عَذَاباً شَدِيداً} منتقمين عنهم في النشأة الأولى {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} في النشأة الأخرى {أَسْوَأَ} وأشد وأقبح من {ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [فصلت: 27] معك بأضعافها وآلافها.
{ذَلِكَ} العذاب الأسوأ الأشد {جَزَآءُ} أعمال {أَعْدَآءِ ٱللَّهِ} الذين عاندوا معك يا أكمل الرسل، واستهزءوا بك وبكتابك، بطرين بما معهم من الجاه والثروة، وهي {ٱلنَّارُ} المسعرة المعدَّة لدخولهم ونزولهم؛ إذ {لَهُمْ فِيهَا} أي: في النار {دَارُ الخُلْدِ} أي: إقامة على وجه الخلود، وإنما صارت كذلك ليكون {جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 28] وينكرون بها، ويكذبكون بمن أنزل إليه ويستهزئون.
{وَ} بعدم استقر أهل النار في النار بأنواع السلاسل والأغلال {قَال الَّذِينَ كَفَرُواْ} بالله ورسله وكتبه في النشأة الأولى، متحسرين متأسفين، متضرعين إلى الله، مناجين له: {رَبَّنَآ} يا من ربانا على فطرة الإسلام والتوحيد، فكفرنا بك وأشركنا معك غيرك في ألوهيتك بإضلال قرنائنا الضالين المضلين {أَرِنَا} الشياطين {ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا} عن طريق توحيد كتبك ورسلك الكائنين {مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ} أي: المضلِّين اللذين أضلانا من هذين الجنسين بأنواع الوساوس والزخارف، والتغريرات والتزيينات {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} لننتقم عنهم جزاء ما فوتوا عنَّا سعادة الدارين وصلاح النشأتين، وإنما نرجو منك هذا يا مولانا {لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29] المستتبعين لنا، كما كنا كذلك بالنسبة إليهم، وإنما قالوا ما قالوا تحسراً وتضجراً.