خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ
٤١
إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٢
-الشورى

تفسير الجيلاني

{ وَ } بالجملة: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } وهي الآثام والجرائم المؤديان إلى الشرك الجلي والخفي { وَٱلْفَوَاحِشَ } أي: الصغائر المنتهية إلى الكبائر بالرسوخ والإصرار { وَ } أيضاً ومن جملة أخلاق هؤلاء المؤمنين المحسنين { إِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [الشورى: 37] يبادرون إلى العفو والستر، وكظم الغيظ، وإصلاح البين، وإخراج الغل والحقد عن نفوسهم.
{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } أي: أجابوا، وقبلوا دعوة من دعاهم إلى الطاعات والعبادات ومطلق الخيرات والحسنات، لا لغرض دنيوي بل { لِرَبِّهِمْ } طلباً لمرضاه وهرباً عن سخطه وانتقاماته { وَ } مع ذلك { أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي: أداموا الميل والرجوع إلى الله في جميع حالاتهم { أَمْرُهُمْ } أي: عموم أمورهم المتعلقة لمعاشهم ومعادهم { شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي: هم متشاورون فيها مع إخوانهم، بلا استبدادهم لهم فيها برأيهم ولا انفراد بعقلهم { وَ } من معظم أخلاقهم أنهم { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي: أبحنا لهم وأضفنا إليهم من الرزق الصوري { يُنفِقُونَ } [الشورى: 38] في سبيلنا للفقراء والمساكين، طالبين منَّا مرضاتنا ومثوباتنا.
{ وَ } من جملة أخلاقهم وأجلّها: إنهم هم { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ } ولإخوانهم في الدين { ٱلْبَغْيُ } والعدوان من بغي باغٍ ظالم وعدو عادٍ { هُمْ يَنتَصِرُونَ } [الشورى: 39] يبادرون إلى الغلبة والانتصار غيرة على الله، وحمية لحمى حدوده الموضوعة على مقتضى العدالة القويمة الإلهية عن الظلم والعدوان، وإظهاراً لما أودع الحق فيهم من فضيلة خصلة الشجاعة المحمودة عند الله، وعند عموم أرباب المروءة من الأنبياء والأولياء؛ إذ كلا طرفيها وهما الجبن والتهور، مذمومان عقلاً وشرعاً، والشجاعة المقتصدة بينهما محمودة جداً.
ثم قال سبحانه تعليماً لعابده طريق هدايته ورشاده: { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ } أصابتك من أحد من بني نوعك { سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } لا أزي منها؛ أي: إذا أساءك أحد بسيئة، فأنت أيها المكلف تسيئه بمثلها جزاءً وعقوبة، سمى الجزاء سيئة؛ للازدواج والمشاكلة، هذا بحسب الرخصة الشرعية، وأما بحسب العزيمة { فَمَنْ عَفَا } وتجاوز عن الجاني والمسيء خالصاً لوجه الله وطلباً لمرضاته { وَأَصْلَحَ } بالصلح والإحسان ما أفسده بالجناية والإساءة { فَأَجْرُهُ } قد وقع { عَلَى ٱللَّهِ } وجزاؤه مفوض إلى كرمه يجازيه بمقتضى فضله وجوده ما شاء الله، وبالجملة: { إِنَّهُ } سبحانه بمقتضى عدالته الذاتية { لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [الشورى: 40] المجاوزين عن الحدود الإلهية سيما في العقوبات والجنايات.
{ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ } وغلب على الظالم { بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي: بعدما ظلم منه منتقماً عليه { فَأُوْلَـٰئِكَ } المنتصرون المنتقمون { مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 41] بالمعاتبة والمعاقبة؛ لأنهم منتقمون بالرخصة الشرعية.
بل { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } بهما { عَلَى } المسرفين { ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } أي: يبتدئون بالظلم، ويظهرون بينهم بالعدوان والطغيان { وَيَبْغُونَ } أي: يطلبون بظلمهم فساداً { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } بلا خصة شرعية { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المجاوزون عن الحدود الشرعية { لَهُمْ } في النشأة الأخرى { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى: 42] هو إحراقهم بنار القطيعة، لا عذاب أشد منه وأفزع.