خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ
٧
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٨
أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٩
وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
١٠
-الشورى

تفسير الجيلاني

وبعدما بلغت وأنذرت لم يبقَ من أمرك شيء { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ } أي: ومثل ما أوحينا إلى من قبلك من الأنبياء كتباً، وأوحينا { إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل أيضاً { قُرْآناً عَرَبِيّاً } نظماً وأسلوباً { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } يعني: أهل مكة { وَمَنْ حَوْلَهَا } من أقطار الأرض وأنحائها، كما أنذر الأنبياء أقوامهم فيما مضى من مطلق الأمور المنافية لسلوك طريق التوحيد وسبيل الهداية والرشاد { وَتُنذِرَ } خاصة { يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } أي: الخذلان والحرمان الحاصل لهم يوم الحشر والاجتماع على المحشر، والوقوف بين يدي الله، الذي { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي: في إتيانه ووقوعه، وبعدما اجتمعوا فيه حيارى سكارى هائمين، يساقون بعدما يحاسبون منهم { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ } مسرورون مقبولون { وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7] محزونون مطرودون.
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الهادي لعباده وأراد هدايتهم جميعاً { لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } مقتصدة معتدلة على مقتضى صرافة الوحدة الذاتية واعتدالها، { وَلَـٰكِن } راعى سبحانه متقضيات أوصافه وأسمائه المتقابلة، وشئونه المتخالفة لذلك { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } ويوصله إلى فضاء وحدته بمقتضى جوده وحكمته عناية منه وفضلاً، وولاية لهم ونصراً { وَٱلظَّالِمُونَ } الخارجون عن مقتضى عناية الله، وولايته بمقتضى قهره وانتقامه إياهم إظهاراً لكمال قدرته { مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ } يواليهم، ويشفع لهم عنده سبحانه { وَلاَ نَصِيرٍ } [الشورى: 8] ينقذهم من عذابه، فظهر ألا ولاية ولا نصرة إلا لله، ولا غالب إلا هو، وإن زعموا آلهة سواه.
{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ } أي: بل أثبتوا { مِن دُونِهِ } سبحانه { أَوْلِيَآءَ } واعقتدوهم شركاء له سبحانه أو شفعاء لهم عندهم، ولا تنفعهم موالاتهم واتخاذهم بل تضرهم وتغويهم { فَٱللَّهُ } المستقل بالألوهية والربوبية { هُوَ ٱلْوَلِيُّ } المقصور على الولاية، لا ولي في الوجود سواه { وَهُوَ } بكمال قدرته { يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } ويميت الأحياء بالإرادة والاختيار، لا فاعل في الوجود إلا هو { وَ } بالجملة: { هُوَ } باستقلاله واختياره { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من مقدوراته ومراداته { قَدِيرٌ } [الشورى: 9] بلا فتور وقصور.
{ وَ } بعدما ثبت أن الولاية والقدرة منحصرة لله، لا فاعل في الوجود سواه، فاعلموا أيها المكلفون بسلوك طريق الحق وتوحيده أن { مَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } أي: من شعائر الدين ومعالم التوحيد واليقين واختلافكم فيه؛ إذ هل هو مفيد لكم في سلوككم، أم مفسد له { فَحُكْمُهُ } مفوض { إِلَى ٱللَّهِ } وأمره موكول إلى كتبه ورسله، فعليكم التعبد والامتثال بما أمرتم به ونهيتهم عنه على ألسنة الرسل والكتب؛ إذ لا مدبر لأموركم سواه، ولا متصرف في الوجود إلا هو.
{ ذَلِكُمُ } الذي سمعتم وصفه واستقلاله في ملكه وملكوته { ٱللَّهُ رَبِّي } وربكم، فاعبدوه حق عبادته، وفوضوا أموركم كلها إليه، وإن خوفتموني بغيره مع أنه لا غير في الوجود معه، فأنا { عَلَيْهِ } لا على غيره من الوسائل والأسباب العادية { تَوَكَّلْتُ } واتخذته وكيلاً، يدفع عني مؤنة جميع من عاداني { وَإِلَيْهِ } لا إلى الوسائط { أُنِيبُ } [الشورى: 10] وأرجع في مطلق الملمات والخطوب.