{ حـمۤ } [الزخرف: 1] يا حارس دين الله، وملازم طريق توحيده.
{ وَ } حق { ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الزخرف: 2] العظيم الذي انتخبناه من حضرة علمنا ولوح قضائنا.
{ إِنَّا } من كمال فضلنا وجودنا { جَعَلْنَاهُ قُرْآناً } فرقاناً بياناً، وتبياناً { عَرَبِيّاً } أسلوباً ونظماً { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الزخرف: 3] وتفهمون ما فيه من الأسرار العجيبة والحكم البديعة والرموز والإشارا التي خلت عنها الكتب السالفة.
{ وَإِنَّهُ } أي: الشأن المندرج فيه، والمرموز إليه من جملة ما هو كائن مثبت { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } الذي هو حضرة العلم ولوح القضاء، ولا يمكنكم الإطلاع عليها والاستفادة منها إلا بوسائل الألفاظ لكونه محفوظاً { لَدَيْنَا } محروساً عندنا، لا يتيسر لكم الوصول إلينا، ما دمتم محبوسين في مضيق الإمكان، مقيدين بسلاسل الزمان والمكان؛ إذ ساحة عز حضورنا { لَعَلِيٌّ } منيع متعال عن أن يحوم حول سرادقات عزن أحد من خلقنا، ونحن { حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] في تكل المنعة والدفاع، لا نطلعكم على سرائرنا وأسرارنا، إلا من وراء الحجب والأستار.
ثم استفهم سبحانه مهدداً مقرعاً، مشيراً إلى ما أودع سبحانه في استعدادات عباده من قابلية الهداية والرشاد، بقوله: { أَ } نهملكم أيها المجبولون على فطرة الهداية، ولم نرسل إليكم يرشدكم إلى ما جبلتم لأجله من قابلية الانكشاف لسرائر توحيدنا { فَنَضْرِبُ } أي: فنصرف { عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ } أي: القرآن المبين لكم ما في نشأتكم وفطرتكم من الاطلاع والشعور على شئوننا وتجلياتنا الذاتية، وبالجملة: نعرض عنكم { صَفْحاً } إعراضاً وانصرافاً كلياً، مع كمال قابليتكم على الصلح وبالفوز بالفلاح { أَن كُنتُمْ } أي: أنهملكم لئن كنتم { قَوْماً مُّسْرِفِينَ } [الزخرف: 5] منحطين عن الاعتدال الفطري القسط الجبلي الذي جبلناكم عليه؛ والمعنى: أنهمل مقتضيات حكمتنا المودعة فيكم، إن كنتم في أنفسكم قوماً مسرفين في التمرد والإعراض؟.
{ وَكَمْ أَرْسَلْنَا } أي: كثير أرسلنا { مِن نَّبِيٍّ } هادٍ مرشد { فِي ٱلأَوَّلِينَ } [الزخرف: 6] أي: في الأمم الماضين المسرفين في التمرد والإعراض.
{ وَ } هم من شدة تعنتهم وإصرارهم { مَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الزخرف: 7] أمثال هؤلاء المستهزئين معك يا أكمل الرسل.
وبعدما تمادوا في الغفلة والعناد، وبالغوا فيها مغرورين { فَأَهْلَكْنَآ } أي: أخذناهم بذنوبهم، واستأصلناهم مع كونهم { أَشَدَّ مِنْهُم } أي: من هؤلاء المسرفين المستهزئين معك { بَطْشاً } حولا وقوة، وأكثر أموالاً وأولاداً، وأكبر جاهاً وشدةً { وَ } بعدما { مَضَىٰ } وجرى { مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } [الزخرف: 8] على ما جرى، ومضى مثل الأولين من قصصهم ووقائعهم الهائلة، وسيمضي ويجري عن قريب على هؤلاء أيضاً مثلهم بالطريق الأولى.