خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١
رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ
١٢
أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ
١٣
ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ
١٤
إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ
١٥
يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ
١٦
-الدخان

تفسير الجيلاني

{ فَٱرْتَقِبْ } يا أكمل الرسل وانتظر لهم مترقباً بإلمام البلاء عليهم، بعدما أصروا على كفرهم وشركهم { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ } مظلم { مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ } [الدخان: 10-11] يحيط بهم وينزل عليهم، فيتيقنوا أن { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الدخان: 11] مؤلم ألم بهم.
فيتضرعون حينئذ نحو الحق صارخين قائلين: { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ } بفضلك وجودك { عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا } بعدما كشف عنا { مْؤْمِنُونَ } [الدخان: 12] موقنون بوحدانيتك، مصدقون بكتابك ورسولك، وذلك أن قريشاً لما بالغوا في استهزاء الرسول صلى الله عليه وسلم التهكم معه ومع ضعفاء المؤمنين، دعا عليهم صلى الله عليه وسلم فقال:
"اللهم أعني عليهم بالسبع الشداد كسبع يوسف عليه السلام" فأجاب الله دعاءه، فأخذه بالقحط، فأكلوا الميتة والجيفة، وهلك كثير منهم، فيغشاهم حينئذ دخان عظيم، يسمع كل منهم كلام صاحبه ولا يراه من ظلمة الدخان، وقالوا صارخين متضرعين: { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } وكانوا عليه حتى جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك قدئ جئت بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا من الجهد، فدعا لهم، فكشف الله عنهم جهدهم، ومع ذلك لم يوفوا بعهدهم الذي عهدوا، ولذلك رد الله عليهم بقوله: { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي: من أين يتأتى منهم التذكر والاتعاض { وَقَدْ جَآءَهُمْ } لتكميلهم وإرشادهم { رَسُولٌ مُّبِينٌ } [الدخان: 13] ظاهر الفضل والعظمة أكمل من كل الرسل.
{ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ } مدبرين وأعرضوا عن دعوته ودينه، مصرين على ما هم عليه { وَ } لم يقتصروا على مجرد التولي والإعراض، بل { قَالُواْ } في شأنه كلاماً يليق بعلو مكانه، حيث قال بعضهم أنه: { مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } [الدخان: 14] يعلمه بعض الأعجمين مع أنه أمي، وقال البعض الآخر: أنه مجنون مخبط مختل العقل يتكلم بكلام المجانين، مع أنه أعقل الناس وأرشدهم.
ثم قال سبحانه على سبيل الإخبار والتنبيه لحبيبه صلى الله عليه وسلم بعدما دعا لهم بالكشف: { إِنَّا } من مقام عظيم جودنا معك يا أكمل الرسل { كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ } المحيط بهم بدعائك زمانا { قَلِيلاً } في دار الاختبار، إلا أنهم لم يوفوا بعهدهم الذي عهدوا معك لعراقتهم وانهماكهم في الكفر، ثم خاطبهم سبحانه مخبراً بما سيصدر عنهم فقال: { إِنَّكُمْ } وإن كشفنا العذاب عنكم أيها الضالون المكذبون { عَآئِدُونَ } [الدخان: 15] راجعون إلى كفركم وضلالكم غب الكشف والفرج، مبادرون على ما كنتم عليه.
اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي: يوم نأخذهم وننتقم عن جرائهم وآثامهم في يوم القيامة والطامة الكبرى، كيف ينقذون أنفسهم من عذابنا الذي لا مرد له حينئذ { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } [الدخان: 16] منهم ألبتة يومئذ.