خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
١٦
وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٧
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
١٨
وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٩
-الأحقاف

تفسير الجيلاني

{ أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المولعون على شكر نعم الله وأداء حقوق الوالدين، وحسن المعاشرة معهما، والإحسان إليهما، هم { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ } التفسير جرى على قراءة ابن عامر ونافع مغيرهما: "يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن ... الآية"، ولكن سياق "ويتجاوز" سبحانه لا تدل إلا على قراءة المطوعي - بفتح الياء - وهي قراءة شاذة ولكنها تذكر ضمن القراءات الأربع عشرة "يتقبل عنهم" بقبلو حسن { أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } مخلصين فيه، طالبين رضاء الله، مجتنبين عن سخطه { وَنَتَجَاوَزُ } ويتجاوز سبحانه { عَن سَيِّئَاتِهِمْ } بعدما تابوا، ورجعوا نحوه نادمين، وهم { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } ومعهم، آمنون فائزون لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، إنجازاً لما وعد لهم الحق { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } [الأحقاف: 16] في النشأة الأولى.
وبعدما وصى سبحانه بما وصى من رعاية حقوق الوالدين، وما يترتب عليها من الفوز العظيم عقبه بضده، وهو عقوق الوالدين، وما يترتب عليها من العذاب الأليم فقال: { وَٱلَّذِي } أي: والمسرف المتناهي الذي { قَالَ لِوَالِدَيْهِ } من فرط سرفه وعصيانه وشدة عقوقه عليهما حين دعواه إلى الإيمان والتوحيد، واجتهد أن يخلصاه من ظلمة الشرك والتقليد، وعن أهوال يوم القيامة وأفراغها: { أُفٍّ } أي: أتضجر { لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ } وتخوفانني من العذاب والنكال بعد أن { أُخْرَجَ } من قبري حيّاً { وَ } الحال أنه { قَدْ خَلَتِ } ومضت { ٱلْقُرُونُ } الماضية { مِن قَبْلِي } ولم يخرج أحد منهم من قبره حيّاًن فإنَّا أيضاً لا أخرج أمثالهم، والحال أنه هو يصر على هذا { وَهُمَا } من مال تحننهما وترحمهما { يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } ويطلبان الغوث والتوفيق منه سبحانه لأجل إيمانه قائلين له على وجه المبالغة في التخويف: { وَيْلَكَ } أي: ويل وهلاك ينزل عليك أيها المسرف لو لم تؤمن { آمِنْ } بالله، وبجميع ما جاء من عنده في النشأة الأولى والأخرى أن { وَعْدَ ٱللَّهِ } بعموم المواعيد والوعيدات الصادرة منه سبحانه على ألسنة رسله وكتبه { حَقٌّ } لا خلف فيه، سينجزه الله القادر المقتدر على وجوه الانتقام والإنعام { فَيَقُولُ } بعدما سمع منهما ما سمع من شدة إصراره وإنكاره: { مَا هَـٰذَآ } الذي جئتما به على سبيل العظة والتذكير { إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأحقاف: 17] أي: أباطليهم الزائغة، لمجرد الترغيب والترهيب.
وبالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون عن ساحة عز القبول هم { ٱلَّذِينَ حَقَّ } أي: ثبت وتحقق { عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } والحكم من الله المطلع بما في صدور عباده من الغل والغواية، بأنهم أصحاب النار المعدودون { فِيۤ } زمرة { أُمَمٍ } هالكة مستحقة لعذاب { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } أي: من جنسهما، وبالجملة: { إِنَّهُمْ } بأجمعهم { كَانُواْ خَاسِرِينَ } [الأحقاف: 18] مضيعين على أنفسهم كرامة مرتبة الخلاقة والنيابة الإلهية الموعودة في النشأة الإنسانية.
{ وَ } اعلما أن { لِكُلٍّ } من المحقين والمبطلين { دَرَجَٰتٌ } من الثواب والعقاب متفاوتة شدةً وضعفاً، ورفعةً ودناءةً، منتشئة { مِّمَّا عَمِلُواْ } مترتبة عليه خيراً كان أو شراً، حسنات أو سيئات { وَ } كل منهم متعلق بعمله، يشاكل عليه { لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ } ويوفى عليهم جزاءهم المترتب عليها درجات أو دركات { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الأحقاف: 19] بالزيادة والنقصان على أجور ما كسبوا.