خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم الوفاء بالعهدو والعقود الموضوعة فيكم لإصلاح حالكم { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } واظبوا على إقامة الحدود، وداوموا على محافظة المواثيق التي وضعها الحق بينكم؛ لتدبر أمور معاشكم ومعادكم من جملتها أنها { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } وهي الأزواج الثمانية وما يشبهها؛ تقويماً لمزاجكم وتقيوة له؛ ليتمكنوا على إتيان ما كلفوا به { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } في كتاب الله تحريمه حال كونكم { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } مطلقاً { وَأَنْتُمْ } في تلك الحالة { حُرُمٌ } محرمين للحج، مأمورين بحبس القوى الشهوية والغضبية عن مقتضياتهما، بل معطلين لها حتى تتكنوا، وتقدروا على الموت الإرادي { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لمصالح عباده { يَحْكُمُ } بمقتضى حكمته ومصلحته { مَا يُرِيدُ } [المائدة: 1] لهم من التحليل والتحريم بحسب الأوقات والحالات، لا يسأل عن فعله ، بل لا بد لكم الانقياد؛ تعبداً، سيما في أعمال الحج.
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله؛ طاعةً وتعبداً، مقتضى إيمانكنم أن { لاَ تُحِلُّواْ } وتبيحوا لأنفسكم { شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } أي: حرمات الله التي حرمها سبحانه في أيام الحج؛ تعظيماً لأمره وتوقيراً لبيته { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أي: لا تحلوا قواكم الحيوانية عن الحبس والزجر في الأزمنة التي حرم سبحانه إطلاقها فيها؛ تعظيماً لبيته { وَلاَ } تبيحوا أيضاً لأنفسكم { ٱلْهَدْيَ } أي: التعرض لما أُهدي إلى البيت قبل بلوغه إلى كله { وَ } أيضاً { لاَ } يتعرضوا { ٱلْقَلاۤئِدَ } وهي ما يعلم، ويقلد بقلادة دالة على أنه من هدايا بيت الله على ما هو من عادة العرب.
{ وَ } عليكم أن { لا } تتعرضوا، وتتقاتلوا مع المؤمنين الموقنين الذين توجهوا نحو الكعبة الحقيقة، وأرادوا أن يخرجوا عن بقعة الإمكان، فدخلوا في طريق المجاهدة وسلكوا نحو الوجوب؛ تقرباً وتشوقاً، مع كونهم { ۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } قاصدين التقرب والتحقق بكعبة الذات، والوقوف بعرفات الأسماء والصفات؛ إذ لا بد من وقوفها لمن قصد زيارة بيت الله الأعظم، بل الركن الأصلي لزيارة بيت الله، وهي هنا الوقوف عند المنجذبين نحو الحق من طريق المجاهدة المستتبعة للكشف والمشاهدة لأهل العناية.
وأما المنجبون نحوه بالاستغناء والاستغراق التام الذي لا يحوم حله شائبة من الكثرة أصلاً، فهم في مقعد صدق عن مليك مقتدر، حال كونهم { يَبْتَغُونَ } ويطلبون هؤلاء الزوار التحقق بهذه المرتبة العليَّة، والمنزلة السنيَة { فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ } بلا وسائق الأعمال والنسك، ووسائق المأمورات والمنهيات { وَ } يطلبون أيضاً من فضل الله { رِضْوَاناً } رضاً من جانب الحق، وتحسيناً من قبله فيما يأتونه من الشعائر المكتوبة في الحي الحقيقي؛ إذ لا وثوق للعبد سوى الرضا منك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{ وَإِذَا حَلَلْتُمْ } قوى حيوانيتكم عن عقال التكاليف المفروضة في الحج بخروج أيامها وأوقاتها مع متمماتها { فَٱصْطَادُواْ } أي: أبيحوا على أنفسكم اصطياد ما أحلَّ الله لكم من صيد البر والبحر { وَ } بعدما علمتم فوائد الحج، وعرفتم عرفانه ومناسكه { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } أي: لا يوقعنَّم في الجريمة العظيمة بغض قوم إياكم، وخوفكم منهم إلى { أَن صَدُّوكُمْ } وصرفوكم { عَنِ } التوجه نحو { ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الذي حرمت عنده سجود السوى والأغيار مطلقاً.
فعليكم أيها القاصدون زيارة الكعبة المعظمة، والقبلة المكرمة التي هي بيت الوحدة { أَن تَعْتَدُواْ } وتتمنوا، وتعتادوا على المقاتلة، والمقاتلة مع الكفار إنما يغني عن الزيارة من القوى الشهوية والغضبية، والمستلذات الخالية الواهية { وَتَعَاوَنُواْ } استنصورا { عَلَى } جنود { ٱلْبرِّ } المورث للرجاء، وحسن الظن بربكم { وَ } على جنود { ٱلتَّقْوَىٰ } المشعر للخوف من قهر الله وغضبه { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ } الخصلة الذميمة عقلاً وشرعاً { وَٱلْعُدْوَانِ } أي: التجاوز عن الحدود الشرعية - العياذ بالله - { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أن تجترئوا عليه بنقض عهوده ، ومجاوزة حدوده { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر على كل ما يريد { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [المائدة: 2] أليم العذاب لمن ظلم نفسه بالإثم والعدوان.