{وَ} من غاية تشوقهم إلى مرتبة اليقين الحقي {إِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ} من الحكم والأحكام والتذكير، والرموز والإشارات، والعبر والأمثال، المنبئ كل منها من مرتبة اليقين الحقي {تَرَىۤ} أيها الرائي {أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ} تسيل {مِنَ ٱلدَّمْعِ} من غاية تلذذهم، ونهاية تشوقهم بتلك المرتبة، وذلك التذلل والتشوق {مِمَّا عَرَفُواْ} بقدر وسعهم وطاقتهم {مِنَ} أمارات مرتبة {ٱلْحَقِّ} فكيف إذا تحققوا بها، وتمكنوا في مقعد الصدق.
{يَقُولُونَ} من غاية تحننهم وتشوقهم منادياً، مناجياً، قلقاً، حائراً، خائفاً، حذراً، راجياً: {رَبَّنَآ آمَنَّا} صدقنا، وتحققنا بمَّا وهبت لنا من مرتبتي العلم والعين، وبعدما تحققنا بتوفيقك بهما {فَٱكْتُبْنَا} بلطفك {مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] المتمكنين الذين حضروا وانقطع سيرهم، وحاروا إلى أن تاهوا أو فانوا، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه.
{وَ} يقولون أيضاً من غاية تحسرهم وتعطشهم: {مَا لَنَا} أي: أيّ شيء عرض لنا { لاَ نُؤْمِنُ} نصدق ونوقن ونذعن {بِٱللَّهِ} المتوحد، المتجلي في الأكوان، المستغني عن الدليل والبرهان {وَ} لا نتبع ونمتثل {مَا جَآءَنَا مِنَ} دلائل {ٱلْحَقِّ} وبنيانه {وَ} مع ذلك {نَطْمَعُ} ونرجو {أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ} [المائدة: 84] لتلك المرتبة.
وبعدما فزعوا إلى الله، وأخلصوا فيما أظهروا {فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ} وأورثهم {بِمَا قَالُواْ} راجياً، مناجياً، متمنياً، متحسراً {جَنَّاتٍ} منتزهات من العلم والعين والحق {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} أنهار المعارف والحقائق من ألسنة أرباب الكشف واليقين؛ ليحيي بلدة ميتاً من المحجوبين المسجونين بسلاسل التلقليدات، وأغلال الدلائل والتخمينات {خَالِدِينَ فِيهَا} ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، و{وَذٰلِكَ} الفوز العظيم، والفضل الكريم {جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 85] الموصلين إلى مرتبة حق اليقينز
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} بتوحيدنا {وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ} الدالة عليه، المبينة لطريقة {أُوْلَـۤئِكَ} البعداء، المحبوسون في مضيق الإمكان {أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ} [المائدة: 86] لا نجاة لهم منها، ولا خلاص من غوائلها.