{قُل} لهم يا أكمل الرسل تبكيتاً وإلزاماً: {لِّمَن مَّا} ظهر {فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} تصرفاً وتملكاً إيجاداً وإظهاراً وإعداماً وإفناءً {قُل} أيضاً أنت يا أكمل الرسل بعدما بُهتوا وتحيروا في الجواب: {للَّهِ} المتوحد المتفرد بالتجلي والظهور والتصرف مطلقاً؛ إذ {كَتَبَ} أوجب وألزم {عَلَىٰ نَفْسِهِ} أي: ذاته حين كان ولم يكن معه شيء {ٱلرَّحْمَةَ} العامة؛ أي: التجلي باسم الرحمن على عروش ذرائر الأكوان المنعكسة من أوصافه الذاتية، والله {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} أيها العكوس والأضلال بمقتضى اسم الرحيم {إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ} التي هي الطامة الكبرى المرتفعة فيها نقوش الغير والسوى مطلقاً {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي: في جمعه ورفعه عند أولي البصائر المتأملين في سر الظهور والإظهار، وأما {ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ} باقتصار النظر في هذه الأضلال والتماثيل الزائفة الزائلة التي لا قرار لها ولا مدار للذاتها وشهواتها {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 12] بالرجوع إلى ما في التوحيد ومقر التجريد والتفريد، أولئك هم الظالمون في تيه الحرمان، الباقون في ظلمة الإمكان.
{وَ} كيف ينكرون جمعه وتوحيده مع أنه {لَهُ} سبحانه {مَا سَكَنَ} وبطن {فِي ٱلْلَّيْلِ} أي: مرتبة الباطن والغيب {وَ} ما ظهر وانكشف في {ٱلنَّهَارِ} أي: مرتبة الظاهر و الشهادة {وَهُوَ} بذاته {ٱلسَّمِيعُ} لكل ما سمع {ٱلْعَلِيمُ} [الأنعام: 13] لكل ما علم وأدرك لا يخفى عليه شيء مما ظهر وبطن.
{قُلْ} لمن أنكر توحيد الله وأثبت الشريط له، ومع ذلك يرغبك يا أكمل الرسل إلى شركه إلزاماً وتبكيتاً: {أَغَيْرَ ٱللَّهِ} الواحد الأحد الصمد الذي لا شريك له أصلاً {أَتَّخِذُ وَلِيّاً} مولياً وكيلاً لأكون مشركاً مع كونه سبحانه {فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم {وَهُوَ يُطْعِمُ} أي: يرزق للمحتاجين {وَلاَ يُطْعَمُ} لتنزهه عن الأكل والشرب، خص بهذه الصنعة؛ لأنه من أقوى أسباب الإمكان، وأجل أمارات الحدوث وأظهرها، والباقي متفرع عليه {قُلْ} يا أكمل الرسل لكافة البرايا: {إِنِّيۤ أُمِرْتُ} من عند ربي {أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} أطاع وانقاد، وأظهر التوحيد الذاتي وأدعو الناس إليه {وَ} أيضاً نُهيت أنا على وجه المبالغة والتأكيد من عنده سبحانه بقوله: {لاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ} [الأنعام: 14] المثبتين الوجود لغير الحق من الأظلال وبعدما أمرت مما أمرت.