{ ثُمَّ } اعملوا أنا { آتَيْنَا } من مقام جودنا { مُوسَى ٱلْكِتَابَ } تماماً؛ أي: التوراة المبين لطريق الحق { تَمَاماً عَلَى } الوجه { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } بيانه وتوضيحه { وَ } بينَّا فيه أيضاً { تَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } من الكوائن والفواسد المتعلقة بعالم الفواسد المتعلقة بعالم الملك والشهادة { وَهُدًى } من المعارف والحقائق المتعلقة بعالم الملكوت والغيب { وَرَحْمَةً } من المكاشفات والمشاهدات المسقطة للإضافات مطلقاً المغنية لنفوس الغير والسوى رأساً { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 154] رجاء أن يتحققوا بمرتبة اليقين العلمي ثم العيني ثم الحقي.
{ وَهَـٰذَا } أي: القرآن { كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } تتميماً لمقاصد الكتب السالفة، وترويجاً لحكمه وأحكامه { مُبَارَكٌ } كثير الخير والنفع لمن آمن به وصدقه { فَٱتَّبِعُوهُ } أيها المتوجهون نحو التوحه الذاتي، وامتثلوا جميع أوامره، واجتنبوا عن جميع نواهيه { وَٱتَّقُواْ } عن تكذيبه والقدح يه وفيمن أنزل إليه { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155] تكتشفون وتفوزون به إلى فضاء التوحيد.
وإنما أنزلنا القرآن بعد التوراة والإنجيل، وإن كان أكثر أحكام الكتب الإلهية مشتركة كراهة { أَن تَقُولُوۤاْ } أيها المؤمنون { إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } أي: اليهود والنصارى، وعلى لسانهم ولغتهم فلا تقبلون الأحكام الإلهية معللين قائلين: { وَإِن } أي: { كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ } قراءتهم وتعلمهم لعدم علمنا بوضع لغتهم { لَغَافِلِينَ } [الأنعام: 156].
{ أَوْ } أن { تَقُولُواْ } متحسرين متمنين: { لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ } كما أنزل عليهم { لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } لحدة أذهاننا وصفاء صدرونا، ومتى علم واطلع سبحانه من استعداداتكم هذا { فَقَدْ جَآءَكُمْ } من عنده لإهدائكم وإيصالكم إلى مقر توحيده { بَيِّنَةٌ } واضحة { مِّن رَّبِّكُمْ } الذي رباكم بإضافة استعدادات التوحيد وقابلياته، دالة عليه، مبينة له كاشفة إياه بالنسبة إلى المحجوبين من ذوي العلوم اليقينية { وَهُدًى } يرشدهم إلى مرتبة اليقين العيني { وَرَحْمَةٌ } لكم تستر هويتكم عن عيون بصائركم ويغنيكم في هوية الحق.
وبالجملة: لو امتثلتم بمقتضاه لصار علمكم عيناً وعينكم حقاً { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } بعدما سمع أوصافها وفرائدها من الله { وَصَدَفَ } صد وأعرض { عَنْهَا } عناداً واستكباراً، والله { سَنَجْزِي } باسمنا المنتقم { ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا } إباء وتكذيباً { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي: عذاباً يسوءهم ويشتد عليهم { بِمَا كَانُواْ } أي: بشؤوم ما كانوا { يَصْدِفُونَ } [الأنعام: 157] عنها، ويستنكفون عن قبولها عتواً وعناداً بلا حجة قطعية بل طنية أيضاً.