ثمَّ قال سبحانه: { وَقَطَّعْنَاهُمُ } أي: جزأناهم وصيرناهم { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ } أضراباً على عدد أبناء يعقوب { أَسْبَاطاً } لهم كل حزبٍ سبط لواحد منهم؛ لذلك صاروا { أُمَماً } مختلفة، وإن كان الكل مسمى ببني إسرائيل { وَ } من جملة نعمنا إياهم: إنَّا { أَوْحَيْنَآ } من مقام جودنا { إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } أي: حين صاروا تائهين حائرين، عطاشاً هائمين { أَنِ ٱضْرِب } يا موسى { بِّعَصَاكَ } التي استعنت بها في الأمور { ٱلْحَجَرَ } الذي بين يديك فضرب { فَٱنبَجَسَتْ } أي: خرجت وجرت على الفور بلا تراخ ومهلة { مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } جارية بضربة واحدة على عدد الأسباط والفرق؛ بحيث { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ } من كل سبط { مَّشْرَبَهُمْ } المخصوص لهم؛ لئلا يقع الخصومة والنزاع بينهم.
{ وَ } من جملة نعمنا إياهم: إنَّا { ظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ } أي: أمرنا بأن يظل عليهم في التيه؛ لئلا يتضرروا من شدة الحر فيستريحوا { وَ } أيضاً { أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ } الترنجبين لشربهم؛ تبريداً لمزاجهم { وَٱلسَّلْوَىٰ } السماني؛ لغذائهم، وقلنا لهم: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } لتقويم مزاجكم { وَمَا ظَلَمُونَا } أولئك الخارجون عن أوارمنا { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 160] أي: يظلمون أنفسهم بما اقترفوا من المعاصي والآثام ويلقونها بذلك في عذاب الدنيا والآخرة، ومع قبح صنيعهم معنا راعيناهم وأنعمنا عليهم.