{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ} أي: يتمسكون منهم {بِٱلْكِتَابِ} أي: بما أمرناهم في التوراة ونهينا فيه {وَ} مع ذلك {أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ} أي: داوموا وواظبوا على الميل إلينا علىما بيناهم فيها فعلينا أجرهم {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} ولا نهمل {أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170] الذين يصلحون ظواهرهم بالشرائع والأحام المنزلة من عندنا، وبواطنهم بالإخلاص والتوحيد المسقط للإضافات مطلقاً.
{وَ} اذكر وقت {إِذ نَتَقْنَا} أي: قطعنا {ٱلْجَبَلَ} من مكانه، ورفعنا {فَوْقَهُمْ} يظل عليهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} يسقف فوق رءوسهم {وَظَنُّوۤاْ} من قبح صنيعهم {أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} إلى أن قلنا لهم: {خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم} من مأمورات التوراة {بِقُوَّةٍ} عزيمة صادقة وعزم خالص في أوامره وأحكامه {وَٱذْكُرُواْ} أيك اتعظوا وتذكروا {مَا فِيهِ} من الموعظة والتذكيرات {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] تنتهون عن قبائح أعمالكم ورذائل أخلاقكم.
{وَ} نقض العهود والمواثيق، والإعراف عن التكاليف والمشاق ليس مما يختص هؤلاء المعرضين، بل من الديدنة القديمة لبني آدم وقت {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} يا أكمل الرسل {مِن بَنِيۤ ءَادَمَ} حيث أخرجهم {مِن ظُهُورِهِمْ} من ظهور آبائهم وأصلابهم على التوليد المتعارف {ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: أولادهم بطناً بعد بطن {وَأَشْهَدَهُمْ} أي: أحضرهم وأطلعهم {عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ} أي: أرواحهم الفائظة لهم، المنفوخة فيهم من روحنا، ثمَّ قلنا لهم بعدما شهدوا منشأهم وعلموا أصلهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} الذي أوجدكم وأظهركم من كتم العدم بنفخ روحي فيكم؟
{قَالُواْ} بألسنة استعداداتهم: {بَلَىٰ شَهِدْنَآ} بعدما أشهدتنا أنت ربنا، لا رب لنا سواك، ولا مظهر لنا غيرك فأخذ سبحانه منهم الميثاق حينئذٍ، وإنما أخذ منهم الميثاق على هذا؛ كراهة {أَن تَقُولُواْ} على سبيل المجادلة والمراء حين أخذهم {يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ} بجرائمهم الصادرة عنهم، المقتضية لنقض العهد: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا} أي: عن ربوبيتك واستقلالك فيها {غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] غير عاليمن بها ولا منبهين عليها.
{أَوْ تَقُولُوۤاْ} لو لم يأخذ سبحانه العهد من جميعهم: {إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً} ضعافاً {مِّن بَعْدِهِمْ} فنقلدهم {أَفَتُهْلِكُنَا} وتأخذنا يا ربنا {بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 173] أي: بفعل آبائنا ا لذين أشركوا بك، مع أنَّا لم نكن حينئذٍ من أصحاب الرأي؟! وأخذك بجرائمهم ظلم علينا؛ لذلك أخذ سبحانه الميثاق من جميع بني آدم؛ حتى لا يبقى لهم حجة عليه سبحانه.
{وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ} نبيٍّن ونوضح على وجه الخصوص والعموم {ٱلآيَاتِ} الدالة على توحيدنا على اليهود {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 174] رجاء أن يتنبهوا فيرجعوا نحونا، ومع ذلك لم يرجعوا ولم يتنبهوا أصلاً.