خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٨٩
فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٩٠
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
١٩١
وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ
١٩٢
-الأعراف

تفسير الجيلاني

وكيف لا يكون الغيب مما استأثر الله به؛ إذ { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أي: أوجدكم وأظهركم { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هو أبونا آدم، وكان جسداً لا علم له، ثمَّ علمه من الأسماء ما تعلق إرادته به سبحانه بتعليمه إياه، ولم يعلم حقائقها ولميتها؛ إذ هي من المغيبات التي لم يُطلع أحداً عليها { وَ } بعدما أظهر { جَعَلَ مِنْهَا } أي: خلق من جنسها { زَوْجَهَا } حواء { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ويؤنس معها { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } أوقعها بإلهام الله إياه { حَمَلَتْ } وحبلت { حَمْلاً خَفِيفاً } أي: أدركت حملاً خفيفاً في بطنها { فَمَرَّتْ بِهِ } أي: مضت عليها مدة فأدركت ثقلها، وأخبرت زوجها بثقلها فألهم بأنه ولد { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } إلى حيث اشتدت عليها حملها، وظهرت عندها أمارة حياة ما في بطنها { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا } ولداً سالماً { صَالِحاً } لمؤانستنا { لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [الأعراف: 189] لنعمه دائماً.
{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } بعد صالح، وطالحاً بعد طالح، بطناً بعد بطن { جَعَلاَ } موضع الشكر { لَهُ شُرَكَآءَ } بإغواء الشيطان إياهما { فِيمَآ آتَاهُمَا } من الأولاد فسمياهم بعبد الحارث وعبد العزى، وعبد المناة، بتعليم الشيطان إياهما { فَتَعَالَى ٱللَّهُ } المنزه بذاته عن الشريك مطلقاً، سيما { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الأعراف: 190] هما وغيرهما من المشركين.
ثمَّ لمَّا لم يكن شركهما عن قصد واختيار، بل وسوسة الشيطان وإغوائه وبخ سبحانه عليهم؛ لينزجروا، وقال: { أَيُشْرِكُونَ } جمعه باعتبار أولاده معنا { مَا لاَ يَخْلُقُ } ويظهر { شَيْئاً } حقيلاً قليلاً، بل { وَهُمْ } أي: الأصنام والشركات في أنفسهم { يُخْلَقُونَ } [الأعراف: 191] مخلوقون كسائر المخلوقات.
{ وَ } كيف يشركون الأصنام معنا في الألوهية والربوبية، مع أنهم { لاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ } أي: لعبدتهم { نَصْراً } يدفع عنهم الأذى؛ لكونهم جمادات { وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } [الأعراف: 192] أي: لا يقدرون أن يصنروا أنفسهم بدفع ما يؤذيهم، لكونهم جمادات، وبكسرهم، فكيف لغيرهم؟.