وكيف لا تتنبهون وتنكشفون أيها المجبولون على فطرة التوحيد ومن الذات المستجلي في الآفاق بالاستقلال { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ } وأظهر وأوجد { ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } وما بينهما من كتم العدم بامتداد أظلال أوصافه وأسمائه عليها { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أوقات ودفعات ليشير إلى إحاطته بالجهات كلها { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي: على عروش المظاهر والمكونات الكائنة والأقطار، منزهاً عن الجهات والاستواء والاستقرار والتمكن مطلقاً، ورتب أمور المكونات على حركات الأفلاك بحيث { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } أي: يغطي بالليل وجه النهار مع أن النهار { يَطْلُبُهُ } أي: بعقبه { حَثِيثاً } سريعاً { وَ } جعل { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } يتحركن حيث أمرها الحق سبحانه { أَلاَ } تنبهوا أيها الأظلال الهالكة والعكوس المستهلكة أن { لَهُ } سبحانه وفي قبضة قدرته { ٱلْخَلْقُ } والإيجاد والإظهار { وَٱلأَمْرُ } أي: التدبير والتصرف بالاستقلال، وبالجملة: { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54] أي: تعاظم في ألوهيته عن أن يدركه العقول والأفهام، وتعالى في ربوبيته عن المظاهرة والمشاركة والأمثال والأشباه.
{ ٱدْعُواْ } أيها المجبولون على فطرة التوحيد { رَبَّكُمْ } المتفرد بتربيتكم وإظهاركم { تَضَرُّعاً } متضرعين { وَخُفْيَةً } كاتمين خائفين خاشعين عن ظهر القلب لا مقلقلين على طرف اللسان عادين { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [الأعراف: 55] المجاوزين المجاهرين الملحين في الدعاء؛ إذ علمه بحالهم يغني عن سؤالهم.
{ وَ } عليكم أن { لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الكون والفساد { بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } بإرسال الرسل وإنزال الكتب { وَٱدْعُوهُ } سبحانه إن أردتم الالتجاء إليه والمناجاة معه { خَوْفاً وَطَمَعاً } أي: خائفين من رده بمقتضى قهره وانتقامه، راجعين قبوله من فضله وإحسانه { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } المجيب للمضطرين عناية ولطفاً { قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56] الذين يعبدمن الله كأنهم يرونه، ويقومون بين يديه خائفاً مستحيياً من سطوة سلطته وقهره وجلاله، طامعاً راجياً من طوله ونواله.