ومن حسن محاورة شعيب عليه السلام مع أمته ومجاملته معه لقب بالخطيب بين الأنبياء.
{وَ} بعدما سمعوا منه ما سمعوا {قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} لمتابعيهم ترهيباً وتهديداً على وجه المبالغة والتأكيد: والله {لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً} عليه السلام وآمنتم له وسمعتم قوله في ترك البخس والتطفيف {إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} [الأعراف: 90] في بضاعتكم ومعاملتكم، ثم لما بالغوا في الضلال والإضلال استحقوا الانتقام والنكال.
{فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ} والزلزلة الشديدة فخر عليهم سقوف بيوتهمه {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} التي يستقرون فيها {جَاثِمِينَ} [الأعراف: 91] جامدين ميتين.
وبالجملة: {ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} أي: استؤصلوا وانقرضوا إلى حيث صاروا كأن لم يسكنوا ولم يكونوا في تلك الديار أصلاً، بل الحق إن {ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 92] المقصورين على الخسران في النشأة الأولى والأخرى.
{فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ} شعيب عليه السلام بعدما شاهد حالتهم واستحقاقهم للعذاب {وَقَالَ} متأسفاً متحزناً على مقتضى شفقته، مضيفاً لهم إلى نفسه: {يٰقَوْمِ} المنهمكين في الغفلة المبالغين في الإصرار والاستكبار {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي} حتى لا يلحق بكم ما لحق {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} بإذنه سبحانه وبالغت في نصحي، فلم تقبلوا مني نصحي ولم تصدقوا قولي، ثم كذب هواجس نفسه وأنكر عليها؛ خوفاً من غضب الله، فقال: {فَكَيْفَ ءَاسَىٰ} أتحزن {عَلَىٰ قَوْمٍ} كانوا {كَٰفِرِينَ} [الأعراف: 93] لنعم الحق مكذبين لأوامره مستحقين لما نزل عليها بسوء معاملتهم مع الله بعد ورود ما ورد من الوعد والوعيد؟.