خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٢٦
-الأنفال

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه منادياً للمؤمنين تذكيراً له وتعليماً: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: إجابة الله وإجابة رسوله { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ } بامتثال مأموراته وأحكامه واجتناب نواهيه { وَلِلرَّسُولِ } سنته وآدابه وأخلاقه { إِذَا دَعَاكُم } وحده، باعتبار أن دعوة الرسول هي بعينها دعوة الحق { لِمَا يُحْيِيكُمْ } من العلوم الدينية والمعارف الحقيقية المثمرة للمكاشفات والمشاهدات التي اضمحلت دنها نفوس السّوى والأغيار مطلقاً، المورثة للحياة الأزلية والبقاء السرمدي التي لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي هي الانخلاع عن لوازم البشرية، ومقتضيات القوى البهيمية، ولا بدَّ أن تكون إجابتكم وقولكم على وجه الخلوص والتسليم.
{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { يَحُولُ } ويحجب { بَيْنَ ٱلْمَرْءِ } المشخص بالهوية الشخصية، المتعين بالتعين العدلي { وَقَلْبِهِ } الذي يسع فيه الحق المنزه عن الإطلاق والتقييد، المبرئ عن الإحاطة والتحديد بالحجب الكثيرة فمادامت الحجب والأستار مسدولة بين المرء وقلبه لم يشم رائحة المحبة والولاء المؤدي إلى الفناء، المثمر للبقاء.
وانفتاح أبواب المحبة والولاء إنما يحصل بالإخلاص والتسليم والتفويض والتوكل والتبتل، والتوحيد المقسط للإضافات مطلقاً { وَ } بالجلمة: { أَنَّهُ } أي: الشأن { إِلَيْهِ } سبحانه لا إلى غيره بد رفع الأظلال الهالكة والتعينات الباطلة { تُحْشَرُونَ } [الأنفال: 24] ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل.
{ وَٱتَّقُواْ } أيها المؤمنون { فِتْنَةً } أي: معصية مسقطة للعدالة، مزيحة للمروءة مورثة للمصيبة الشاملة إثرها لعباد الله مثل الطاعون المترتب على الزنا واللواط، والقحط المترتب على التخسير والتطفيف والاحتكار وغيرها من طرق الربا، مع أن أثرها { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي: أتوا بها { مِنكُمْ خَآصَّةً } بل يعم الظالمين وغيرهم بشؤمهم؛ لأن غيرهم يداهنون معهم كأنهم راضون بفعلهم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الأنفال: 25] ضعب الانتقام، سريع الحساب لعى من خرج من مقتضى أمره ونهيه.
{ وَٱذْكُرُوۤاْ } أيها المؤمنون نعمنا إياكم، وداموا بشكرها وقت { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ } يستضعفكم مَنْ { فِي ٱلأَرْضِ } يعني: أرض مكة - شرفها الله - ومن غاية ضعفكم وقلتكم { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ } ويلتقطكم { ٱلنَّاسُ } عن وجه الأرض إلى حيث يستأصلكم بالمرة؛ من غاية ضعفكم وقلتكم { فَآوَاكُمْ } الله بحوله وقوته، وأعادكم إليها بعدما أخرجكم العدو منها ظلماً وزوراً { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } بأن تغلبوا وتظفروا على عدوكم، وتخرجوهم منها مهانين مغلوبين مستضعفين { وَ } بعدما أيدكم وأظفركم سبحانه { رَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } التي غنمتم منها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الأنفال: 26] رجاء أن تواظبوا شكر هذه النعم الجسام.