{ وَ } بعدما انتصرتم وظفرتم عليهم { ٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } منهم وأخذتم { مِّن شَيْءٍ } أي: مما يطلق عليه اسم الشيء حتى الخيط { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } أي: فاعلموا أن خمسه ثابت لله { وَ } يصرف من مال الله خمسه { لِلرَّسُولِ } المستخلف منه، النائب عنه { وَ } بعد انقراضه يصرف إلى الولاة المقيمين لحدود الله، وسهم آخر منه { لِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وعبد المطلب.
{ وَ } آخر حق { ٱلْيَتَامَىٰ } الذي لا مال له ولا متعهد { وَ } آخر حق { ٱلْمَسَاكِينِ } الذين أسكنهم الفقر والفاقة في زاوية الهوان والمذلة { وَ } آخر حق { ٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } المنقطعين عن الأوطان لمصلحة شرعية، فعليكم أيها الحكام أن تحافظوا على هذه القسمة ولا تتجاوزوا عنها { إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ } المستوي على العدل القويم.
ثمَّ قال سبحانه: { وَمَآ أَنزَلْنَا } بمقتضى جودنا ولطفنا من النصر والظفر على الأعداء والإمداد بالملائكة { عَلَىٰ عَبْدِنَا } وحبيبنا { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } الفارق بين الحق والباطل والمحق والمبطل، وذلك { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } أي: الصنفان من الطرفين في بدر مع ضعف أهل الحق وقوة الكفار { وَٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من نصر ضعفاء الأولياء وانهزام الأعداء { قَدِيرٌ } [الأنفال: 41].
اذكروا أيها المؤمنون ضعفكم ورثاثة حالكم وقت { إِذْ أَنتُمْ } مترددون { بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } أي: على شفير الوادي التي هي أقرب إلى المدينة ولا ماء فيها، ورمالها تسوخ أرجلكم وأنتم راحلون { وَهُم } متمكنون { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي: على شفير الوادي الأبعد من المدينة والماء عندهم { وَٱلرَّكْبُ } أي: العير التي قصدتم نحوه قد كان بمكانٍ { أَسْفَلَ } وأبعد { مِنكُمْ } على ساحل البحر مقدار ثلاثة أميال، وأنتم حيارى بين الإقدام والإحجام.
{ وَ } بالجملة: { لَوْ تَوَاعَدتُّمْ } أنتم وهم القتال في وقت معين بلا وحي من الله ووعد من جانبه { لاَخْتَلَفْتُمْ } أنتم ألبتة؛ لضعفكم وقوتهم وهيبتهم { فِي ٱلْمِيعَادِ } الذي وعدتم معهم؛ لرعيكم ورهبتكم منهم { وَلَـٰكِن } جمع سبحانه بلطفه شملكم ومكنكم في مكانكم، وأمطر عليكم في ليلتكم { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ } المولي لنصركم وغلبتكم { أَمْراً } حكماً مبرماً { كَانَ مَفْعُولاً } عنده وإن لم يفعل بعد، وإنما فعل سبحانه بكم ما فعل من النصر والظفر بهم من القهر والقمع { لِّيَهْلِكَ } من الكفار { مَنْ هَلَكَ } أي: مات وانخذل غيظاً { عَن بَيِّنَةٍ } واضحة شاهدتها { وَيَحْيَىٰ } أيضاً من المسلمين { مَنْ حَيَّ } فرحاً { عَن بَيِّنَةٍ } واضحة لائحة انكشف بها { وَ } اعلموا { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { لَسَمِيعٌ } لمناجاة كلا الفريقين { عَلِيمٌ } [الأنفال: 42] بنياتهم، يفعل من كل منهم على مقتضى علمه.