{وَلَوْ تَرَىٰ} أيها الرائي وقت {إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ} أي: يتوفاهم الملائكة، ويقتلهم يوم بدر حال كونهم {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} من يأتي منهم من أمامهم {وَأَدْبَارَهُمْ} أي: يضربون من خلفهم من يأتي من ورائهم {وَ} يقولون حين ضربهم وقتلهم تقريعاً وتوبيخاً: {ذُوقُواْ} أيها المعاندون المعادون مع الله ورسوله {عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ} [الأنفال: 50] أي: أنموذج عذاب النار حتى تصلوا إليها، ولو رأيت حالهم حينئذٍ أيها الرائي لرأيت أمراً فظيعاً فجيعاً.
{ذٰلِكَ} العذاب والنكال في النشأة الأولى والآخرة إنما عرض عليكم أيها المسرفون {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي: بشؤم ما كسبتم لأنفسكم من الكفر والشرك ومعاداة الرسول والمؤمنين، وبمقدار ما اقترفتم بلا ظلم عليكم {وَ} اعلموا {أَنَّ ٱللَّهَ} المستوي على العدل القويم {لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ} أي: ظالم {لِّلْعَبِيدِ} [الأنفال: 51] الذين يظلمون أنفسهم باقتراف المعاصي والآثام، بل يجازيهم على مقتضى جرائمهم عدلاً منه سبحانه.
إذ دأب هؤلاء المصرين المعاندين {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي: سنتهم وعملهم كعمل آل فرعون وسنتهم {وَ} كدأب القوم {ٱلَّذِينَ} مضوا {مِن قَبْلِهِمْ} كعاد وثمود {كَفَرُواْ} أولئك البعداء الخارجون عن طريق الحق {بِآيَاتِ ٱللَّهِ} المنزلة على رسله عتواً وعناداً كهؤلاء المصرين المستكبرين {فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ} المنتقم منهم {بِذُنُوبِهِمْ} التي كسبوها لنفوسهم كهؤلاء {إِنَّ ٱللَّهَ} المتعزز برداء العظمة والجلال {قَوِيٌّ} على الانتقام {شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [الأنفال: 52] على من خرج عن مقتضى أمره، بحيث لا يرفع عقابه شيء.
{ذٰلِكَ} أي: حلول الغضب والنكال عليهم {بِأَنَّ ٱللَّهَ} المنعم المفضل {لَمْ يَكُ مُغَيِّراً} مبدلاً محولاً {نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ} تفضلاً وامتناناً {حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ} ويبلدوا {مَا بِأَنْفُسِهِمْ} من مقتضيات العبودية والانقياد بالخروج عن حدود الله، ونقض عهوده وارتكاب نواهيه ومحظوراته، وتكذيب آياته ورسله كما غيرها قريش {وَأَنَّ ٱللَّهَ} المطلع لأحوال عباده {سَمِيعٌ} لما يقولون على الله وعلى رسوله حين بطرهم وغفلتهم {عَلِيمٌ} [الأنفال: 53] بما يخفون في نفوسهم من الأباطيل.