خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١
فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ
٢
وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣
-التوبة

تفسير الجيلاني

ثمَّ لمَّا كان المشركون المصرون على شركهم من أعدى الأعادي، وأشدهم غيظاً مع الله ورسوله، وكان عهودهم ومواثيقهم غير معول عليها في علم الله، تبرأ سبحانه منهم وأمر رسوله أيضاً بالتبري عنهم وعن عهودهم ومواثيقهم، فقال: { بَرَآءَةٌ } المطلع على مخايل أهل الشرك أصالة { وَ } من { رَسُولِهِ } لتنبذوا وتطرحوا عهودكم ومواثيقكم { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: هذه براءة ونقض عهد وإسقاط ذمة، ورفع أمان كان بينكم أيها المؤمنون وبين المشركين، نزلت إليكم { مِّنَ ٱللَّهِ } [التوبة: 1].
وعليكم ألاَّ تبادروا ولا تفاجئوا إلى المقاتلة بعد نبذ العهد، بل أمهلوهم وقولا لهم: { فَسِيحُواْ } أي: سيروا أيها المسرفون { فِي ٱلأَرْضِ } أي: في أرضنا هذه آمنين بلا خوف { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } قيل: هي عشرون من ذي الحجة وتمام المحرم والصفر، وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر، واستعدوا في تلك المدة وهيئوا أسباب القتال فيها { وَٱعْلَمُوۤاْ } أيها المصرون على الشرك يقيناً، وإن زعمتم غلبتكم علينا بمظاهرة إخوانكم واستعانة قبائلكم وعشائركم { أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي: لستم غالبين على الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء، المتفرد بالمجد والبهاء { وَ } اعلموا أيضاً { أَنَّ ٱللَّهَ } المنتقم من عصاة عباده { مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } [التوبة: 2] أي: مهينهم ومذلهم وإن أمهلهم زماناً بطريق على تجبرهم وتكبرهم.
{ وَ } هذه أيضاً { أَذَانٌ } إعلام وتشييع، ونداء صدر عنه { مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } بإذنه { إِلَى ٱلنَّاسِ } المجتمعين من أقصى البلاد { يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } لأن وقوف يوم عرفة كان يوم الجمعة؛ لذلك سمي به { أَنَّ ٱللَّهَ } أي: بأن الله المتعزز بالعظمة والكبرياء { بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: من عهودهم ومواثيقهم، لا يؤمنهم بعد عامكم هذا { وَرَسُولُهُ } أيضاً مأمور من عنده بالبراءة ونقض العهد وإسقاط الذمة، ويعد اليوم ارتفعت الهدنة وصار الأمر الأمر إما بالسيق وإما الإسلام.
{ فَإِن تُبْتُمْ } ورجعتم عمَّا أنتم عليه من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد { فَهُوَ } أي: إيمانكم ورجوعكم { خَيْرٌ لَّكُمْ } في أولاكم وأخراكم { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } وأعرضتم عن الإسلام والإيمان، وأصررتم على الشرك والطغيان { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي: لستم غالبين على جنوده { وَ } بالجملة: { بَشِّرِ } يا أكمل الرسل { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وأصروا عليه، ولم يرجعوا عنه مع ورود الزواجر والخوارق { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التوبة: 3] في النشأة الاولى بالقتل والسبي والإجلاء، وفي الآخرة بالحرمان عن رتبة الإنسان.