وقوله: {يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ} [يوسف: 39] يشير إلى النفس والبدن أنهما صاحبا يوسف القلب في سجن الشريعة، وأرباب متفرقون من الدنيا والهوى والشيطان، {خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف: 39] لما دونه، {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ} [يوسف: 40] يا أهل النفوس، {وَآبَآؤُكُمْ} [يوسف: 40] أهل الدنيا ليس تحتها طائل وهي ظل زائل.
{مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا} [يوسف: 40] أي: بعبادتها، {مِن سُلْطَانٍ} [يوسف: 40] حجة وبرهان، {إِنِ ٱلْحُكْمُ} [يوسف: 40] في الوجود والعدم، {إِلاَّ للَّهِ} [يوسف: 40] بإيجاد المعدود وبإعدام الموجود، {أَمَرَ} [يوسف: 40] بحكمه، {أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: 40] ولا تعبدوا نحوه، {ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ} [يوسف: 40] القيوم والصراط المستقيم، {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] حقيقة هذا المعنى، بل يدعون بعبادة الهوى والدنيا، {يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ} [يوسف: 41] وهما النفس والبدن، {أَمَّآ أَحَدُكُمَا} [يوسف: 41] وهو النفس.
{فَيَسْقِي رَبَّهُ} [يوسف: 41] أي: سيده وهو الروح، {خَمْراً} [يوسف: 41] وهو ما خامر العقل مرة من شراب الشهوات واللذات النفسانية، وتارة بأقداح المعاملات والمجاهدات شراب الكشوف والمشاهدات الربانية وهي باقية في خدمة ملك الروح، {وَأَمَّا ٱلآخَرُ} [يوسف: 41] وهو البدن، {فَيُصْلَبُ} بحبل الموت، {فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ} [يوسف: 41] طير أعوان ملك الموت، {مِن رَّأْسِهِ} [يوسف: 41] الخيالات الفاسدة التي جمعت في أم دماغه، {قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] أي: قضي في الأزل على هذه الصفة الأمر الذي أنتم اليوم فيه تطلبان الفتوى، واللهُ أعلم.