خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ
٣٤
مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٣٥
وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٣٦
فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٣٧
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٨
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٩
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٤٠
-مريم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن مذمة الخلق في قوله الحق بقوله تعالى: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } [مريم: 34] يشير إلى أن ذلك المتولد من نفخ الروح المضاف ومريم القلب وهو ابن مريم القلب لا ابن الله ولا جزء منه { قَوْلَ ٱلْحَقِّ } [مريم: 34] أي: هو المجعول من كلمة الله وهي قول كن، { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } [مريم: 34] يشكون، فقائل يقول: هو ابن الله، وقائل يقول بالحلول أنه قد حل في مريم القلب، وقائل يقول بقدمه وقدم الروح، ثم نفى عن ذاته جل جلاله هذه الأوصاف بقوله: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [مريم: 35] أي: جزء، فإن الولد جزء الوالد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني" وبقوله: { سُبْحَانَهُ } [مريم: 35] نزَّه نفسه عن أوصاف المخلوقات كلها.
ثم أخبر عن كمال قدرته بقوله: { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } [مريم: 35] في الأزل { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [مريم: 35] في الحال ذلك الأمر المقدور في الأزل، وبقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } [مريم: 36] يشير إلى أن عيسى المتولد من مريم القلب يشهد أن الله الذي خلقه وخلقكم { فَٱعْبُدُوهُ } [مريم: 36] بهذا الاعتقاد الخالص، فإن { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [مريم: 36] يصل به العبد إلى الله عز وجل { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } [مريم: 37] أي: تفرقوا ثلاث فرق:
* فرقة: يعبدون الله بالسير على قدمي الشريعة والطريقة بالعبور على المقامات والوصول إلى القربات، وهم: الأولياء الصديقون، وهم: أهل الله وخاصته.
* وفرقة: يعبدون الهوى على وفق الطبيعة، ويزعمون أنهم يعبدون الله كما أن الكفار يعبدون الأصنام ويقولون:
{ { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] فهؤلاء ينكرون على أهل الحق وهم: البدع والهوى والزيغ والرياء والسمعة والشقاق وهم: أهل النار { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [مريم: 37] من هؤلاء { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [مريم: 37] أي: من شهود يوم يظهر فيه عظائم الأمور فيتبع كل عابد معبوده.
وبقوله: { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [مريم: 38] يشير إلى أن من يأتي الله بقدم اليسر ما أسمعهم وأبصرهم؛ لأنهم به يسمعون وبه يبصرون { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [مريم: 38] يعني: الذين ظلموا أنفسهم بإفساد استعدادهم اليوم في ضلال مبين باستعماله في غير موضعه { وَأَنْذِرْهُمْ } [مريم: 39] أي: أعلمهم؛ يعني: الظالمين { يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } [مريم: 39] في الأزل بإيمان بعضهم، وكفر بعضهم { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } [مريم: 39] في العدم عن هذا القضاء { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [مريم: 39] أي: قضى للظالمين ما لم يؤمنوا.
{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ } [مريم: 40] أي: الوارث لأرض الوجود { وَمَنْ عَلَيْهَا } [مريم: 40] أي: ومن في الوجود { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [مريم: 40] باللطف والقهر؛ أمَّا باللطف: فبأن يغنيهم الله عنهم ويبقيهم به، وأمَّا بالقهر بقوله:
{ { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48] فيناديهم { { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] أي: ملك الوجود فلا يجيب نفسه { { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16].