خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ
٧٨
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
٧٩
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ
٨٠
وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
٨١
وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
٨٢
-الأنبياء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن الحكمين المختلفين بقوله تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } [الأنبياء: 78] يشير إلى أنا كنا حاضرين في حكمهما معها بالتأييد إنما حكماً بإرشادنا لهما، ولم يحط أحد مهما في حكمه إلا إنَّا أردنا تشييد بناء الاجتهاد بحكمهما عزة وكرامة للمجتهدين؛ ليتقدوا بهما مستظهرين بمساعيهم المشكورة في الاجتهاد.
وبقوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [الأنبياء: 79] يشير إلى: رفعة درجة بعض المجتهدين على بعض، وإن الاعتبار في الكبر والفضيلة بالعلم، وفهم الأحكام والمعاني، والأسرار لا بالسن، فإنه فهم بالأحق والأصوب وهو ابن صغير وداود نبي مرسل كبير، ثم قال تعالى: { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [الأنبياء: 79] أي: حكمة وعلماً؛ ليحكم كل واحد منهما موافقاً للعلم والحكمة بتأييدنا، وإن كان مخالفاً في الحكم لحكمنا؛ ليتحقق صحة أمر الاجتهاد، وأن لكل مجتهد مصيب.
وبقوله تعالى: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 79] يشير إلى أن الذاكر لله إذا استولى عليه سلطان الذكر تتنور أجزاء وجوده بنور الذكر فيتجوهر قلبه وروحه بجوهر الذكر، فربما ينعكس نور الذكر من مرآة القلب إلى ما يحاذيها من الجمادات والحيوانات، فتنطق بالذكر معه أجزاء وجوده، وتارة تذكر معه بعض الجمادات والحيوانات كما كان الحصا يسبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضب يتكلم معه، وروي عن بعض الصحابة أنه قال:
"كنا نأكل الطعام ونسمع تسبيحه" .
وبقوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [الأنبياء: 80] يشير إلى أن الأنبياء كثيراً ما يجدوه من مواهب الله تعالى ببركة الأمة كل ما يجدون من مواهب الله تعالى إنما يجدونه بتبعية الأنبياء وبركاتهم، فلهذا قال: { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [الأنبياء: 80] فيه إشارة أخرى وهي: أن المعجزة التي أظهر الله تعالى على يد رسوله داود عليه السلام من الآية الحديد وصنعة اللبوس كان كرامة لأمة النبي صلى الله عليه وسلم إذاً لخطاب معهم، ولهذا قال تعالى: { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } [الأنبياء: 80] أي: تشكرون نعمة الكرامة التي كرمهم بها في سورة المعجزة على داود عليه السلام.
وبقوله تعالى: { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [الأنبياء: 81] يُشير إلى أن كمالية الإنسان إذا بلغ مبلغ الرجال البالغين من الأنبياء والأولياء، سخَّر الله بحسب مقامه السفليات والعلويات من الملك والملكوت، فسخر لسليمان عليه السلام الريح والجن والشياطين والطير والحيوانات والمعادن والنيات ومن العلويات الشمس حين ردت لأجل صلاته، كما سخر لداود الجبال والطير والحديد والأحجار التي قتل بها جالوت وهزم عسكرهم، فسخر لكل نبي شيئاً آخر من أجناس العلويات والسفليات، وسخر لنبينا صلى الله عليه وسلم من جميع أجناسها.
* فمن السفليات ما قال صلى الله عليه وسلم:
"زويت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً" ، وقال: "أوتيت مفاتيح خزائن الأرض" ، وكان الماء ينبع من بين أصابعه.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"نُصرت بالصبا وأهلكت عاد بالزبور" وكانت الأشجار تسجد له، وتسلم عليه، وتسجد له، وتنقلع بإشارته عن مكانها وترجع، والحيوانات كانت تتكلم معه، وتشهد بنبوته، وقال صلى الله عليه وسلم: "أسلم شيطاني على يدي" وغيره من السفليات.
* وأمَّا العلويات: فقد انشق القمر بإشارة وسخر له البراق وجبريل والرفوف، وعبر عن السماوات السبع والعرش والكرسي والجنة والنار إلى أن بلغ مقام قاب قوسين، أو أدنى، فما بقي شيء من الموجودات إلا وقد سخر له.
وبقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [الأنبياء: 82] يُشير إلى أنا كنا سخرنا الشياطين له؛ ليعلمون له أعمالاً والغوص والصنائع التي يصنعون بحفظ الله ما لا يقدرون عليه الآن.