وبقوله تعالى: {ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} [الحج: 60] أي: غلبت النفس على القلب باستيلائها وغلبات صفاتها، ويرجع القلب منظراً إلى الله تعالى في قهر النفس وصفاتها {لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ} [الحج: 60] يعفو عن زلات بعض الطالبين؛ ليصف حالهم {غَفُورٌ} [الحج: 60] ستر على عيوب بعض الصادقين؛ لبقايا صفات نفوسهم.
{ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ} [الحج: 61] أي: هذا بأن الله {يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ} [الحج: 61] أي: ليل الستر على نهار التجلي. {ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ} [الحج: 61] أي: نهار التجلي في ليل الستر لبعضهم يولج ليل القبض في نهار البسط، ولبعضهم يولج نهار الأنس في ليل الهيبة، ومنهم من يدوم نهاره ولا يدخلها عليهم ليلة وذلك لأهل الأنس {وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ} [الحج: 61] يسمع تضرع المشتاقين {بَصِيرٌ} [الحج: 61] يرى حرقة الواصلين {ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ} [الحج: 62] يحقق أماني الصادقين، ويبطل دعاوى الكاذبين {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} [الحج: 62] من دون الله؛ أي: يطلبون ما سواه {هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ} [الحج: 62] أي: أعلى من أنم وجده الطالبون {ٱلْكَبِيرُ} [الحج: 62] العظيم الذي لا يدرك الواصلون نهايته {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} [الحج: 63] من سماء القلب ماء الحكمة {فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] أي: أرض البشرية بخضرة الشريعة، وأرض القلوب بخضرة الأسرار، وأرض الأرواح بخضرة الكشوف، وأرض الأسرار بخضرة الأنوار.
{إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ} [الحج: 63-64] أي: ما في سماوات القلب مواهبه وما في الأرض؛ أي: أرض البشرية مراحمه {وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ} [الحج: 64] لا ينقص غناه من مواهبه {ٱلْحَمِيدُ} [الحج: 64] في ذاته مستغن عن حمد الحامدين.