خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٥٦
وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ
٥٨
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
٥٩
وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٠
-القصص

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن أهل الهداية في الهداية بقوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] يشير إلى أن الهداية بقوله تعالى: { } [القصص: 56] يشير إلى أن الهداية في الحقيقة فتح باب العبودية إلى عالم الربوبية وذلك من خصائص قدرة الله تعالى لأن القلب العبد بابين" باب إلى النفس والجسد وهو مفتوح أبداً وباب الروح في الحضرة وهو مغلوق لا يفتحه إلا الفتاح الذي بيده المفتاح.
كما قال تعالى لحبيبيه ونبيه صلى الله عليه وسلم:
{ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ } [الفتح: 1-2] أي بأن يهديك { { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] إلى الحضرة كما هداه ليلة المعراج إلى أقرب أو أدنى وقال في حق المغلوق أبواب قلوبهم { { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [محمد: 24] وقال صلى الله عليه وسلم: "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقبله كيف يشاء فإن يشاء أقامه وإن شاء أزاغه" فالنبي صلى الله عليه وسلم مع جلال قدره لم يكن آمناً على قلبه وكان يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلب عبدك على دينك وطاعتك" والهداية عبارة عن تقليب القلب من الباطل وهو ما سوى الله إلى الحق وهو الحضرة فليس هذا من شأن غير الله كما قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56] وهم الذين أصابهم رشاش النور المرسس على الأرواح كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره فمن أصابه ذلك النور قد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل" .
وبقوله: { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } [القصص: 57] يشير إلى مقالة النفس وصفاتها تحت القلب لقالوا اتبعنا هدى الله معك نتخطف بجذبات الألوهية من أرضنا أرض الأنانية قال الله تعالى: { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } [القصص: 57] في الهوية { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [القصص: 57] أي حقائق كل ثمرة روحانية وجسمانية ولذائذ كل شهوة راجعة إليه إذ هي صارت منه وفي حقيقة لذائذه وإليه يعود { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } [القصص: 57] لا من لجن المخلوقات { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [القصص: 57] أن أكثر الخلق { لاَ يَعْلَمُونَ } [القصص: 57] كمالية ذوق الرزق اللدني كما لا يعلمون أكثر العلماء دون العلم اللدني؛ لأنهم لم يذوقوه ومن يذق لا يدري.
ثم أخبر عن هلاك البشر في دعوى البطر بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ } [القصص: 58]، فيه الإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [القصص: 58] يشير إلى قلوب أفسد شعورها عيش النفوس البطرة المتنعمة { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ } [القصص: 58]، وهي الصدور { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ } [القصص: 58] أي: من فساد حالهم ما يسكن فيها نور الإسلام { إِلاَّ قَلِيلاً } [القصص: 58] من نور الإسلام إلى الحضرة لعدم استعداده لقبول الأنوار بأن يرجع نور الإسلام إلى الحضرة لعدم استعداده لقبول الأنوار { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } [القصص: 59] أي قرى القلوب { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } [القصص: 59] أي روحها فإن القلب من سر تلك الروح { رَسُولاً } [القصص: 59] أي: ورده من نفحات الحق صلى الله عليه وسلم.
كما قال تعالى: "ألا إن في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها" { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } أي: تصل روائح النفحات إلى سويداء القلبو هواء حب الدنيا وضيم شهواتها فأعرضت عن نفحة الحق وتعرضت لنفحات الشيطان وهو حبس النفس، فأدركتها الغيرة الإلهية وأهلكتها نفحة الحق تعالى المتعرض لنفحة الشيطان الرجيم وذلك معنى قوله: { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص: 59]، وبقوله: { وَمَآ أُوتِيتُم } [القصص: 59] يا أرباب القلوب المهلكة والنفوس المتمردة أي: وما أوتيتم من مستلذات النفس وشهوات الدنيا { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [القصص: 59] أي هي فانية موجبة لعذاب الأبد { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [القصص: 59] كما قال:
"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" ، { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [القصص: 60] لكم وهو موجب لسعادة الأبد { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [القصص: 60] لكي لا يؤثر السعادة الأبدية على الشقاوة الأبدية.