خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ
٦١
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٦٢
قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ
٦٣
وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ
٦٤
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ
٦٥
-القصص

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن الفرق بين العاقل وبين الغافل بقوله تعالى: { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً } [القصص: 61] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله تعالى: { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ } [القصص: 61] يشير إلى ما وعد لعوام المؤمنين وهو الجنة ولخواصهم وهو الرؤية ولأخص خواصهم وهو الوصول والوجدان. كما قال: "ألا من طلبني وجدني".
وأوحى إلى عيسى عليه السلام: تجوع تراني تجرد تصل إلي { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ } الفانية { ٱلدُّنْيَا } التي يبدل طعوم عسلها سموم حنظلها، وليس من أكرم بوجدان مولاه كمن مني بالوقوع في الجحيم في عقباه بإزاء شهوة ساعة وجدها في دنياه { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } مع الشياطين { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } ربهم وهو عليهم غضبان: { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [القصص: 74] أنهم شركاؤهم تعبدونهم كما تعبدونني أهم يخلقون كما أخلق؟ أم هم يرزقونكم كما رزقتكم؟ أم هم ينصرونكم اليوم ويخلصونكم من قهري وعذابي؟ { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [القصص: 63] في الأزل بأن يكونوا من أهل النار والمراد وبين يدل قوله تعالى:
{ { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13] { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ } بتقديرك { كَمَا غَوَيْنَا } بما قضيت لنا ولهم الغواية والضلالة مساكين بنو آدم إنهم من خصوصية { { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [الإسراء: 70] يحفظون الأدب مع الله في أقصى البعد كما يتأدبون الأولياء على بساط أقصى القرب ولا يقولون أغويناهم كما أغويتنا كما قال إبليس صريحاً ولم يحفظ الأدب قال: { { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } [الأعراف: 16] ومن يحفظ الأدب يقولون ربنا { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ } منهم: { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } تبرؤوا منهم ومن عبادتهم إياه ندامة على ما جرى عليهم بتقدير الله بلا جهدهم وقصدهم وإبليس من أعوان نكرانه عاند الحق تعالى وتكبر على من كرمه وشرفه بقوله: لما خلقت سيدي وقال: { { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } [ص: 76] وحقره وقال: { { لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 33] من طين واعترض على الحق تعالى وقال: { { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ص: 76] وأبى واستكبر وما ندم عما صدر منه ولم يقل أنا أتبرأ مما فعلت وأسجد لآدم الآن وبقوله: { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } [القصص: 64] يشير إلى أنكم أشركتم من دعوتهم فلم يستجيبوا لكم وأعرضتم عن توحيدي وأنا قلت لكم { { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] بل كنت أنزل كل ليلة من غاية الكرم والرحمة إلى السماء الدنيا مع تنزهي عن نزول وصعود هو من شأن المخلوقين وصفاتهم وأنادي: هل من داع فاستجيب له وهل من تائب فأتوب عليه، فما كنتم من الداعين لي ولا من التائبين إليَّ.
وبقوله: { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } [القصص: 64] يشير إلى تحقق نفوسهم أنهم لو كانوا يهتدون إلى الحق وسبيل الرشاد ليرون عذاب الفطام عن المألوفات وترك الشهوات واللذان النفسانية الحيوانية ومشقة التزكية عن الأوصاف المذمومة وأذية الخروج عن طبيعة البشرية، وتحمل أعباء الشريعة على خلاف الطبيعة، وهذا كما قالوا:
{ { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } [القصص: 57] كما مرَّ شرحه وبقوله: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [القصص: 65] يشير إلى حقيقة مطالبة الحق تعالى عباده في إجابتهم المرسلين على حسب أحوالهم وحسب دعوى الأنبياء فإنهم كانوا يدعون الأمم إلى التوحيد؛ ليستعدوا لدخول الجنة ونيل درجات القرب، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم مختص بالدعوة على الله.
كما قال تعالى:
{ { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب: 45-46] فمن أجاب الدعوة بالرغبة فسؤاله سؤال المحبة ومن لم يجب الدعوة إلا بألوهية فسؤاله سؤال الهيبة، فلا تبقي لهم تميز لهم ولا قوة عقل ولا مكنة جواب.