خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٤٢
وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ
٤٣
خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
٤٤
ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
٤٥
-العنكبوت

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن وهن ولاة أهل الولاية فيما اتخذوه أولياء بقوله تعالى: { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } [العنكبوت: 41] يشير على أن مثل النفس وصفاتها في اتخاذها من دون الله أولياء من الهوى والدنيا والشيطان كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً لمعانٍ:
أحدها: معنى قوله: { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 41] أنه سريع الزوال وشيك الانفصال، وإن حاصل ولايتهم اليوم العداوة في الآخرة كما قال تعالى:
{ { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67] يعني إلا الذين اتقوا عن اتخاذ الأولياء دون الله.
والثاني: أن العنكبوت كلما زاد على نسجه في بيته ازداد بعد أمن الخروج فهو يعني ولكن سجناً على نفسه وقيداً على رجله بحيث يتوقع هلاكه، كذلك من اتخذ الهوى والدنيا والشيطان أولياء سجن فيه بسلاسل الإضلال والإغواء على طريق الشهوات إلى مهلكة النيران، ولا ينفعه استغاثة
{ { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 28-29].
والآخر: هو أن بيت العنكبوت أوهن البيوت؛ لأنه بلا أساس ولا جدار ولا سقف، فلا يمسك على أهون دفع، كذلك الكافر لا أصل لشأنه ولا أساس لبنيانه
{ { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } [النور: 39].
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [العنكبوت: 42] من الهوى عن الحق تعالى وطلبه الخشية وركاكةٍ ودناءةٍ جبلت عليها { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } [العنكبوت: 42] لا يطلبه ولا يقبل عليه إلا عزيز، وهو أعز من أن يطلب الأذلاء ويهتدي إليه الأخشياء { ٱلْحَكِيمُ } [العنكبوت: 42] فبالحكمة يعز من يشاء بالهداية ويذل من يشاء بالضلالة.
وبقوله: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } [العنكبوت: 43] أي: للناسين عهد الميثاق { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43] يشير إلى أن الكل مشتركون في سماع الأمثال، ولكن يتفرقون ويجتمعون في إدراك وفهم دقائقها ومعانيها وأسرارها ليسمعوا بسمع القول فما يعلقها إلا العالمون بالله؛ لأن عقولهم مؤيدة بأنوار العلوم، وكل فعل لم يكن مؤيداً بالأنوار الإلهي لا يدرك حقائق القرآن وأسرارها، ولا يعد العاقل في زمرة العقلاء، كما قال تعالى:
{ { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171] أي: صم عن سماع حقائق الأمثال بكم عن الإقرار بقبول فوائدها عمي عن رؤية آثار وكمالها فهم لا يعقلون لطائف خصائصها { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } لمراتب صفات الحق تعالى ليكون مظهرها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً } أي: في السماوات والأرض آية الحق مودعة ولكن { لِّلْمُؤْمِنِينَ } [العنكبوت: 44] الذين ينظرون بنور الله تعالى، فإن النور لا يرى إلا بالنور، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
وقوله: { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45] يشير إلى أن الله قبل تلاوة القرآن حق تلاوته وذلك بأن يعمل به حتى يتخلق بخلق القرآن لا يقدر على إقامة الصلاة والاستدامة لتنهاه عن الفحشاء، وهي الالتفات إلى الدنيا والمنكر وهو طلب غير الله وكل صلاة ليست موصوفة بهذه الصفة فهي خداع، ثم أشار بقوله تعالى: { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [العنكبوت: 45] أي: أن موجب تلاوة القرآن وإقامة الصلاة تنهي العبد عن الفحشاء والمنكر وهما من أمارات مرض القلب ومرضه لعله نسيان ذكر الله.
كما قال تعالى:
{ { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67] إنما كان لإزالة مرض النسيان عن القلب من تلاوة القرآن وإقامة الصلاة؛ لأن تلاوة القرآن على نسيان القلب الساهي، كما قال: "رب تال للقرآن والقرآن يلعنه"، وكذلك الصلاة هي مصليها مستوجب للويل، كما قال تعالى: { { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4-5] وأما الذكر فله اختصاص في إزالة مرض النسيان عن القلب بقوله تعالى: { { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28] وعند الاطمئنان توجب سلامة القلب من الأمراض ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام لما نظر نظرة في النجوم، فقال: { { إِنِّي سَقِيمٌ } [الصافات: 89] كان طلبه من الله في إزالة سقمه وسلامة قلبه اطمئنان القلب مع وجود الإيمان قال: { { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 260] إنما اختص الذكر بإزالة مرض القلب دون تلاوة القرآن وإقامته صفته؛ لأنهما صادرتان من قلب مريض معلوم بالنسيان الطبيعي للإنسان، ورأي العليل عليل، وأما الذكر وإن كان أيضاً صادراً من القلب المريض ولكنه مختص بطرح إكسير ذكر الله فأبطل خاصية المعلولية وجعله إبريزاً خالصاً مخصوصاً بخاصية المذكورية بقوله تعالى: { { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152] فذكر العبد قد فني في ذكر الله فلا جرم، { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } في إزالة مرض النسيان عن القلب بإقامة الصلاة وتلاوة القرآن وجميع أركان الإسلام بحضور القلب المتنور بنور الذكر صارت صادرة بجميع شرائطها موجبة للفلاح الحقيقي، وهو قوله تعالى: { { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [الأنفال: 45] وقوله تعالى: { { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [المؤمنون: 1-2] وقوله: { { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } [الأعلى: 14-15] والفلاح الحقيقي الإخلاص من جبل الوجود بجود واجب الوجود.
وبقوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [العنكبوت: 45] يشير إلى نظر إليه لا يدرك كمالية الجزاء المعد له بمباشرة أركان الشريعة وملازمة آداب الطريقة للوصول إلى عالم الحقيقة، كما قال تعالى:
{ { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17] ولكن يعلم ما تصنعون باستعمال مفتاح الشريعة وصناعة الطريقة لفتح أبواب طلسم الوجود المجازي الموصل إلى الكنز المخفي من الوجود الحقيقي.