خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ
١٤١
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ
١٤٢
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ
١٤٣
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
-آل عمران

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن فوائد الابتلاء والأعداء بقوله تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 141]، { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [آل عمران: 142]، إشارة في الآيات: إن قوله تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 141] دال على أن كل هم وغم وبلاء وعناء ومحنة ومصيبة تصيب المؤمنين في الله يكون تكفيراً لذنوبهم، وتطهير لقلوبهم، وتخليصاً لأرواحهم، وتمحيصاً لأسرارهم، وما يصيب الكافرين من نعمة ودولة وحبور وسرور وغنى ومنى في الدنيا يكون سبباً لكفرانهم، ومزيداً لطغيانهم، وغروراً لخذلانهم، وعمى لقلوبهم، وتمرداً لنفوسهم، ومحقاً لأرواحهم ولقلوبهم، وسحقاً لأسرارهم، وفيه إشارة أخرى { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 141]؛ يعني: البلاء لأهل الولاء بتمحيص القلوب عن ظلمات العيوب، وتنويرها بأنوار الغيوب، { وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 141] بالبلاء؛ يعني: يمحق صفات نفوسهم الكافرة، ويمحو سمات أخلاقهم الفاجرة؛ ليتخلصوا عن تدنس حبس قفص الأشباح، ويفوزوا بتقديس رياض حظائر الأرواح كما قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [آل عمران: 142]، إن تلجوا عالم الملكوت ورياح الأرواح، { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142]، ولم ير الله منكم مجاهدات تورث المشاهدات، ولم ير الصبر منك عن تزكية النفوس على وفق الشريعة، وتصفية القلوب على قانون الطريقة، وتحلية الأرواح بأنوار الحقيقة.
{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ } [آل عمران: 143] يا أرباب الصدق وأصحاب الطلب { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } [آل عمران: 143]؛ يعني: موت النفوس عن صفاتها تزكية لها، { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } [آل عمران: 143]؛ يعني: قبل أن تلقوا مجاهدات ورياضات في خلاف النفس وقهرها عند لقاء العدو في الجهاد الأصغر ظاهراً، وفي الجهاد الأكبر باطناً، { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [آل عمران: 143]؛ يعني: إذا رأيتم هذه الأسباب التي كنتم تمنون عياناً { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [آل عمران: 143] ولا تغذون أرواحكم، ولا تجاهدون في الله بأموالكم وأشباحكم في قوله تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران: 144]، إشارة إلى: إن الإيمان التقليدي لا اعتبار له فيبطل المقلد عن إيمانه عن انعدام المقلد به، فمن كان إيمانه بتقليد الوالدين والأستاذ وأهل البلد { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ } [الحجرات: 14] في قلبه ولم تشرح صدره بنور الإسلام، فعند انقطاعه بالموت عن هذه الأسباب المقلد بها يعجز عن جواب سؤال الملكين في قولهما:
"من ربك فيقول: هاه لا أدري، وإذ يقولان: ما تقول في هذا الرجل؛ فيقول: هاه لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان له: لا دريت ولا تليت" ، كما ورد في الحديث، { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [آل عمران: 144]؛ أي: ومن يرتد عن إيمانه التقليدي { فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } [آل عمران: 144]؛ يعني: لا يضر الله ارتداده، ولكن يضر المرتد المقلد، { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 144]؛ يعني: الذين شكروا نعمة الإيمان التقليدي بأداء حقوق الائتمار بأوامر الشرع، والانتهاء عن نواهيه، سيجزيهم الله بالإيمان مزيداً، كما قال تعالى: { { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7].