التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن خبر أهل النار في تلك الدار بقوله تعالى: { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [آل عمران: 192]، إشارة في: { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ } [آل عمران: 192]؛ أي: من تدخله نار قهرك فقد أخزيته وأهلكته بالقهر وأضللته عن صراطك المستقيم، فيقع في نية الضلالة والغواية ويظلم نفسه بالشرك والطغيان، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } [آل عمران: 192] على أنفسهم بالخذلان، { مِنْ أَنْصَارٍ } [آل عمران: 192]، ينصرونهم ويخرجون من نار القهر، يدل عليه قوله تعالى: { { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [آل عمران: 160].
ثم أخبر عن شرائط العبودية في استجلاب فضل الربوبية بقوله تعالى: { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } [آل عمران: 193]، إشارة في الآيات: { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا } [آل عمران: 193]؛ أي: من هاتف الحق في الغيب بالسمع الحقيقي، { مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } [آل عمران: 193]، أي: ينادينا لأجل الإيمان، { أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } [آل عمران: 193]، وهذا أمر حتم موافق للإرادة القديمة، { فَآمَنَّا } [آل عمران: 193]؛ يعني: بالإرادة القديمة وبإسماع الحق إيانا نداء منادي الحق آمناً، نظيره قوله تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23]، { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [آل عمران: 193]؛ يعني: يا ربنا كما أسمعتنا منادي الإيمان بفضلك ورحمتك، { وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا } [آل عمران: 193] بإيماننا وطاعتنا في حال الحياة، { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } [آل عمران: 193]؛ يعني: مع التوفيق بمعاملة الأبرار ومن جملتهم وطريقتهم الهداية؛ أي: ما أعددت لعبادك الصالحين "مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" ، ومما قلت: "من تقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحبه كنت له سمعاً وبصراً" .
{ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [آل عمران: 194] بإظهار سوء أعمالنا، وعدم توفيق التوبة والاجتهاد في طلبك، { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 194] الذي وعدتهم للعباد والمؤمنين، { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } [آل عمران: 195]؛ يعني: من كان هذا دأبه مع الله عاكفاً على بابه بصدق العبودية والإخلاص، وطلب ألطاف الربوبية، يستجيب لهم ربهم ما سئلوا، وذلك { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } [آل عمران: 195]، بالظاهر والباطن في السر والعلانية { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } [آل عمران: 195]؛ يعني: على قدر همتكم وجدكم ورجوليتكم، وضعفكم في الأعمال والنيات أجازيكم، { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } [آل عمران: 195]، عن الأوطان والأوطار والأعمال السيئة والأخلاق الذميمة، وجاهدوا بالأشباح والأرواح، { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } [آل عمران: 195]؛ يعني: هاجروا من معاملات الطبيعة تفرباً إلى الله تعالى، فأخرجوا من ديار الطبيعة إلى عالم الحقيقة، بسطوات تجلي صفات الربوبية تقرباً إلى العبد كقوله تعالى: "تقربت إليه ذراعاً" ، { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } [آل عمران: 195]؛ أي: في طلبي أوذي بالابتلاء وأنواع البلاء، { وَقَـٰتَلُواْ } [آل عمران: 195] مع النفس، { وَقُتِلُواْ } [آل عمران: 195] بسيف الصدق، { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } [آل عمران: 195] وجودهم، { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ } [آل عمران: 195] الوصول، { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [آل عمران: 195] أنهار العناية، { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 195]؛ أي: كرامات من مقامات العندية الخاصية، { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } [آل عمران: 195]؛ أي: عنده حسن ثواب لا يكون عند الجنة وغيرها.