خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٥
قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٦
تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٢٧
-آل عمران

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن غرور أهل الغفلة والفتور بقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } [آل عمران: 23]، { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [آل عمران: 24]، إشارة في الآيات: إن من أوتي نصيباً إذا ادعي إلى حكم من أحكام الله، أو يدعي إلى ترك الدنيا ومخالفة الهوى، وشيء من الورع والتقوى والقربة إلى المولى، كما أنزل في كتاب الله أخذته الأنفة، ودعته العزة أن يقبل الحق وينقاد له، ويثقل عليه الأسماع ويعرض في الاتباع، فهو مغرور في الدنيا بما يفتري الشيطان ويغويه، وتمنيه الأنفس وتستهويه.
{ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } [آل عمران: 25]، حال المغرور إذا جمعهم الله { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [آل عمران: 25]، في مزرعة الدنيا من الدرجات العلا والدركات السفلي، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [آل عمران: 25]، بأن ينزل أهل الدرجات في الدركات، وأهل الدركات في الدرجات؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وإنما خص { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } [آل عمران: 23] هذا الاختصاص؛ لأن أكثر ما أدنى نصيباً من العلم الظاهر ولم يؤت نصيباً من العلم الباطن؛ فإنهم أهل العزة بالله بالظاهر، ويغفلون عن الأحوال الباطنة، فيستولي الشيطان على بواطنهم، ويزين لهم الدنيا وشهواتها وشكرهم بلذاتها ورفعة الدرجات، فتهلكهم في واد من أوديتها.
ثم أخبر عن كمال عنايته مع أهل ولايته بقوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [آل عمران: 26]، إشارة في الآيتين: إن الله تعالى هو الملك في الحقيقة، ولا ملك ولا ملك إلا له؛ لأنه ملك له ملك العدم والوجود بالمالكية؛ فإنه كان مالكاً، ولم يكن معه وجود ولا عدم فأبدع بالملكية، فإنه ملك الوجود في مراتب شتى:
فمنها: وجود قابل الفناء والعدم؛ وهو عالم الكون والفساد، ومنها: وجود قابل البقاء غير فانٍ ولا عادم؛ وهو عالم يقبل الكون ولا يقبل الفساد، فكان مالك ملك الوجود والعدم بالمالكية؛ لإبداعه، فقوله: { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26]؛ يعني: تؤتي ملك الوجود الباقي الذي لا يقبل الفناء { مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26]؛ يعني: الملكية والإنسان، فإن شخص الإنسان قابل للفناء، ولكن روحه لا تقبل الفناء: كالملائكة وعالم الأرواح والملكوت؛ وهو عالم الآخرة، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [آل عمران: 26]؛ يعني: تنزع ملك الوجود الباقي ممن تشاء من الحيوانات وعالم الكون والفساد.
{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26]؛ يعني: تعز بعزة الوجود الحقيقي، الذي لا يقبل الكون والفساد من تشاء من الأنبياء والأولياء، دليله قوله تعالى:
{ { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8]، فافهم جيداً.
{ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26]؛ يعني: تذل بذل الغضب والسحت من تشاء من الكافرين والمنافقين، بأن تبطل استعدادهم عن قبول فيض الوجود الحقيقي، دليله قوله تعالى:
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ... } [البقرة: 62]، وفي قوله تعالى: { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26]، تضمير الدعاء؛ يعني: اللهم مالك الملك تؤتي من تشاء أنت الذي بيدك الخير كله، فآتني الملك فيمن تشاء أن تؤتيه، وأعزني فيمن تشاء أن تعزه، إنك على شيء من الإيتاء والمنع والإعزاز والإذلال قدير.
وقوله: { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } [آل عمران: 27]؛ أي: تولج ظلمانية البشرية النفسانية في نهار أنوار الصفات الروحانية، { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } [آل عمران: 27]، أنوار الروحانية في ظلمات الصفات النفسانية، { وَتُخْرِجُ } [آل عمران: 27] القلب { ٱلْحَيَّ } [آل عمران: 27]، بالحياة الحقيقية { مِنَ } [آل عمران: 27]، النفس { ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ } [آل عمران: 27]، القلب { ٱلَمَيِّتَ } [آل عمران: 27]، عن الحياة الحقيقية { مِنَ } [آل عمران: 27]، النفس { ٱلْحَيِّ } [آل عمران: 27]، بالحياة المجازية الحيوانية { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 27]؛ أي: ترزقه من عالم الجود الحقيقي من النفس الميت، وتخرج الذي هو غير متناهٍ، ولا يدخل تحت العدد والحساب.